« أنا ما نديرش الصوصيال » : عبارة تعكس الأنانية وعقلية الجماعة الاجتماعية المحتقرة للزّوالي وللعمّال

ino

كثيرا ما نسمع اليوم عبارة « أنا ما نديرش الصوصيال  » (أنا لا أهتم بالشأن الاجتماعي/مشاكلك الاجتماعية لا تهمني)، تتداول على لسان العديد من الناس في ولاية الجزائر العاصمة والولايات المجاورة (بومرداس وبليدة مثلا)، المنتمين إلى الطبقة المتوسطة، سواء كانوا طلابا بالجامعة أوموظفين أو تجارا. يعني « صوصيال » على لسان مستعمليه: رديء، سيء، لا يصلح. يقال عن عقلية « رديئة » أو « منتهية الصلاحية » أو عن شخص ما للسخرية منه. لنقل منذ البداية أن العديد من مستعملي عبارة  » أنا ما نديرش الصوصيال » يجهلون مضمونها الباطني وطابعها الطبقي المحتقر للزوالية وللخدمات الاجتماعية .

مثال1: عقلية صوصيال.

مثال 2: هذا البنادم صوصيال، أي أنه شخص « حابس« ، « كافي« ، أحمق أو أبله.

مثال 3: هذه الطفلة/المدامة صوصيالة ، أي أنّ هذه الفتاة « حابسة« ، كافية« ، بلهاء أو حمقاء.

أصل المصطلح فرنسي: Social ويقصد به « اجتماعي. مثال: la protection sociale أي الحماية الاجتماعية. إذن فإنّ معنى مصطلح « صوصيال » السلبي تحريف للمعنى الأصلي للكلمة في اللغة الفرنسية.

لنر الآن مثالين عن استعمال مصطلح صوصيال في العبارات الآتية.

!مثال1: ليك، راهو يدير الصوصيال!

مثال 2: يصل طالب في الجامعة متأخرا إلى درس في مادة ما ويمنعه الأستاذ (أو الأستاذة) من الدخول وحضور ما تبقى من الدرس ويقول له: « أنا ما نديرش الصوصيال! كان لازم تجي بكري وتدخل في الوقت. » علما أنّ هذا الطالب يسكن في منطقة بعيدة عن الجامعة تكاد لا تتوفر فيها وسائل النقل الخاص ولا يملك سيارة ولا تمر منها في اليوم إلا حافلتان لنقل الطلاب.

تتضمّن عبارة المثال الأول معنيين : الأول، أي أن الشخص يهتم بالقضايا الاجتماعية، بمعاناة مواطنيه ومشاكلهم، أي أنه ليس أنانيا، ولكن غالبا ما تقال هذه الجملة بأسلوب تهكمي، باستهزاء، كما لو أنّ الاهتمام بالقضايا الاجتماعية كان أمرا سيئا ومنبوذا. « .

في المثال الثاني « أنا ما نديرش الصوصيال »  يقصد المتكلم (الأستاذ) أن الطالب « يشتكي من سوء حالته الاجتماعية والمعيشية » أو أنه « يتمسكن »، أي يتظاهر بالعجز أو الفقر لـ »كسب » رفق الناس.وهذا النوع من ردود الأفعال يلاحظ كذلك عند مدراء المؤسسات الخاصة (بنوك وشركات مثلا) في تعاملهم مع موظفيهم عندما يحدث أن يتأخروا مرة أو مرتين لأسباب قاهرة أو عندما يتعذر عليهم الذهاب إلى منصب العمل بسبب المرض.

إنّ المدلول عبارة « أنا ما نديرش الصوصيال و »يخي صوصيال(ة) »يعبّر عن تفكير أناني وحشي لا يرقّ لمن يعاني من ظروف معيشية مزرية، لا يشفق على المسكين أو المحتاج ويرفض مساعدة الغير كما يرفض التضامن مع الفقراء أو العطف على معاناتهم، بعبارة أخرى: » يتهردوا! ». »

يجب أن نشير إلى أن عبارات « أنا ما نديرش الصوصيال! » و »هذه الطفلة صوصيالة! أو « يخي صوصيال! » على سبيل المثال تُنطق وتُلفظ بلهجة مشحونة بقدر كبير من الاحتقار والتقزّز، كما لو أن مستعمل هذه العبارات كان يتحدث عن شيء وسخ أو عن رائحة كريهة!

حسنا، كيف دخل المعنى السلبي لـ »صوصيال » في العربية الدارجة بالعاصمة وبالولايات المجاورة لها؟ ومن له مصلحة في  الترويج للأنانية المتضمنة في عبارة « أنا ما نديرش الصوصيال؟ صيغة أخرى، ما هي الجماعة الاجتماعية التي تجد مصلحة في الترويج للأنانية داخل مجتمعنا؟ »

عندما نتدبّر الأمر وندرسه فسنجد أنّ قوات المال وأصحاب النفوذ الاقتصادي في بلدنا (كبار رجال الأعمال والصناعيين الخواص) وحلفائهم (مدراء مؤسسات خاصة، إطارات سامية داخل هذه المؤسسات، بصفة عامة لا على سبيل التعميم، وبعض أصحاب القرار داخل مؤسسات وطنية للأسف) هم من لديهم مصلحة في ترويج قيم الأنانية ومحاربة التضامن والتآخي مع المساكين أو المظلومين،  إذ هم من يحتقرون الزوالية وحقوق العمال  والاهتمام بالقضايا الاجتماعية لأن النظام الرأسمالي يحمل بنمط انتاجه قيم  حب الأنا وعبادة الأموال فلا ينشغلون إلا باحتكار أرباحهم الشخصية ووسائل الانتاج ويسعون وراء الربح الشخصي السريع عن طريق استغلال العمال وأكل حقوقهم وامتصاص عرق وثمرة عملهم).

كيف تلوّث أناس موظفون في مؤسسات عمومية (ثانويات، جامعات، مصحّات مثلا) أو طلاب بهذه الأنانية في حياتهم اليومية؟ ببساطة لأنّ الفكر السائد في المجتمع ، في مرحلة ما، هو ناتج عن فكر الطبقة السائدة على هذا  المجتمع والطبقة السائدة حاليا في مجتمعنا متكونة من قوات المال، البوشكارة، أصحاب النفوذ المالي  والاقتصادي والسياسي كذلك. وفي ظل غياب خطاب مضاد قوي يناهض فكر  هذه الجماعة  الاجتماعية السائدة التي تحدثنا عنها يسهل انتشار الأفكار النخبوية، الأفكار المعادية لمفاهيم العدل الاجتماعي والتآخي والتآزر.

إنّ التضامن والتعاون بين الناس يشكّل أساس مجتمع متماسك ومتلاحم.

ترتكز بنية مجتمعنا، تقليديا ودينيا، على مبادئ التضامن الاجتماعي، إذ إن مساعدة الـزوالية، أي المحتاجين والمساكين، ومد يد العون إلى الجار أو إلى عابر السبيل عند الحاجة، اطعام الجائع، اطعام المعوزّين في رمضان وخارجه، على سبيل المثال لا الحصر، تعتبر أفعالا طبيعية نشأت عليها أغلبية أجدادنا ورسّخوها في نفوس أبنائهم. تمارس هذه الأفعال من دون نيّات  خبيثة مبيّتة، من دون رياء ومن دون انتظار مكافئة مقابل ذلك.

ينبذ الاسلام، الذي يشكل روحيا إحدى ركائز تلاحم مجتمعنا، الفردية والأنانية ويشجّع على التضامن والتعاون بين أفراد المجتمع بدليل قول الرسول محمّد صلّى الله عليه وسلم : (ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) وقوله صلى الله عليه وسلم : (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)

يقول الفيلسوف والسياسي أنطونيو غرامشي*: « أكره اللامبالين »، وهو عنوان أحد مقالاته الذي ينتفض فيه ضد اللامبالاة والخمول في المجتمع

وبعربيتنا الدارجة سوف نقول « نكرهو الباردين » والايديولوجيا الرأسمالية الليبرالية تهدف إلى صنع مجتمع من « اللامبالين » تجاه معاناة الغير.  

إنّ الفرد « اللّي ما يديرش الصوصيال » يعارض مجانية الخدمات الاجتماعية كما لن يؤمن بحق العمال في الحماية الاجتماعية ولن يؤمن بشرعية وحق التداوي المجاني للمواطنين والتمدرس المجّاني لكل أطفال الوطن وبالجامعة العمومية المجانية (كلّها مكاسب ثورة 1 نوفمبر 1954، ثورة وطننا التحررية من نظام الاستعمار الفرنسي) بحجّة أنه « ما يديرش الصوصيال » وأنّ التداوي والتمدرس ودخول الجامعة ينبغي أن تتمّ خوصصتهم، في نظره، لفئة الأغنياء، « اللي عندهم الدراهم » أو لمن تسمح لهم مواردهم المالية بكسب هذه الخدمات.

إنّ الايديولوجيا الليبرالية الرأسمالية وأنصارها المحليّين هم أعداء الشعب وهم يحاولون حاليا بث سمّ الأنانية والفردية والداروينية الاجتماعية في أغلبية أفراد المجتمع الجزائري بهدف تدمير تلاحمه وقيمه الروحية المرتكزة على التآخي والتضامن. لذلك يجب توخّي الحذر والحرص على عدم الترويج لفكر الرأسمالية بواسطة استخدام واع للغة وللمصطلحات، حتّى نعيد إلى عبارة « يدير الصوصيال » معناها الأصلي النبيل.

يحيا الــصوصيال! يحيا التضامن ، تخيا الأخوة!

بقلم: محمّد وليد قرين

مصدر الصورة:

https://www.fatcap.org/live/wake-up.html

أنطونيو غرامشي (المتوفى سنة 1937): سياسي وفيسلوف إيطالي وطني شعبي مناهض للاستعمار وللنظام الرأسمالي.

Publicité

Votre commentaire

Entrez vos coordonnées ci-dessous ou cliquez sur une icône pour vous connecter:

Logo WordPress.com

Vous commentez à l’aide de votre compte WordPress.com. Déconnexion /  Changer )

Image Twitter

Vous commentez à l’aide de votre compte Twitter. Déconnexion /  Changer )

Photo Facebook

Vous commentez à l’aide de votre compte Facebook. Déconnexion /  Changer )

Connexion à %s

%d blogueurs aiment cette page :
search previous next tag category expand menu location phone mail time cart zoom edit close