هنا تذكير صغير لمفهوم مهمّة الاستعمار الفرنسي لتحضير الجزائر.
يكتب دانييل ريفيه Daniel Rivet في مقاله Le rêve arabe de Napoléon III الصادر على الجريدة الفرنسية L’Histoire المتخصصة في التاريخ، عدد 140 ، جانفي 1991، ما يلي:
Dans Le Moniteur du 6 février 1863, il (Napoléon III*) publie une lettre-manifeste au maréchal Pélissier. Son objectif y apparaît sans équivoque : « Convaincre les Arabes que nous ne sommes pas venus en Algérie pour les opprimer et les spolier, mais pour leur apporter la civilisation.
في جريدة المونيتور بتاريخ 6 فيفري 1863، ينشر نابليون الثالث، امبراطور فرنسا (آنذلك) رسالة-بيان موجهة إلى الماريشال بيليسيي. يظهر هدفه واضحا وضوح الشمس. يقول نابليون الثالث في تلك الرسالة-البيان أنّ هدفه هو « إقناع العرب أننا لم نأت إلى الجزائر لقمعهم و نهبهم، وإنما لكي نحضر لهم الحضارة. »
يا عمري!!!! غضنا فرنسا الاستعمارية، نحن الشعب « الجاهل والغير المتحضّر »! يا له من خطاب أبوي « جميل »! لماذا فرنسا كانت تؤمن بـ »مهمتها الحضارية » في وطننا. إليكم الجواب في مقطع آخر يظهر منطق الفكر الاستعماري لدولة أوروبية غربية امبريالية:
« Un pays comme la France, quand il pose le pied sur une terre étrangère et barbare, doit-il se proposer exclusivement pour but l’extension de son commerce et se contenter de ce mobile unique, l’appât du gain ? Cette nation généreuse dont l’opinion régit l’Europe civilisée et dont les idées ont conquis le monde, a reçu de la Providence une plus haute mission, celle de l’émancipation, de l’appel aux Lumières et à la liberté des races et des peuples encore esclaves de l’ignorance et du despotisme. »
Francis Garnier, La Cochinchine française en 1864, E. Dentu éd.
« هل على وطن مثل فرنسا، عندما تطأ قدمه أرضا أجنبية وبربرية، أن يهدف إلى توسيع اقتصاده والاكتفاء بهذا السبب فقط، أي بطمعه في الربح؟ إن هذه الأمة الكريمة التي يسيّر رأيها أوروبا المتحضّرة والتي احتلت افكارها العالم، قد تسلّمت من السماء مهمة أعلى بكثير ألا وهي مهمة التحرير، مهمة الدعوة إلى الأنوار وإلى حرية الأجناس والشعوب التي لا تزال عبيدة الجهل والاستبداد. » فرانسيس غارنيي[1]، في عمله المعنون اقليم الكوشنشين[2] الفرنسي في 1864، منشورات إي. دونتي E. Dentu
إيه، نعرف كيف كانت « مهمة التحرير، مهمة الدعوة إلى الأنوار وإلى حرية الأجناس والشعوب التي لا تزال عبيدة الجهل والاستبداد » التي تبنّاها النظام الاستعماري الفرنسي خلال احتلاله لوطننا: بمصادرة أراضي أجدادنا، بالمذابح الجماعية الموجهة ضد المدنيين، بنهب الثروات الوطنية، بتدمير القرى، بمحاولة مسخ الثقافة والهوية الوطنيتين. تذكّرنا كلمات فرانسيي غارنييه بالخطاب الرسمي للحكومة الأمريكية الإمبريالية بقيادة بوش الابن عندما قرر هذا الأخير غزو أفغانستان والعراق من أجل « محاربة الارهاب والحركات الظلامية » و »تحرير شعبي أفغانسنان والعراق من الاستبداد » و »ارساء قواعد الديموقراطية » في هذان البلدان.
لنمرّ الآن إلى نقطة تحليلنا الأخيرة:
كيف يروّج النظام الامبريالي الأوروبي لأيديولوجيته الاستعمارية الجديدة في مجتمعنا؟ عن طريق دماه (الپوپيّات) المحلية! وما هي دماه المحلية؟ فئة المستغربين في مجتمعنا، طبعا. وتضمّ هذه الفئة مثقفين ورجال ذو نفوذ سياسي أو اقتصادي، مناصرين عادة للـ »ديموقراطية » ولـ »الانسانية » ولـ »لانفتاح » حسب التصوّر الغربي الامبريالي لهذه المصطلحات، أي ديموقراطية عبادة الأموال والفردية الأنانية والداروينية الاجتماعية (عقلية طاڨ على من طاڨ واعفس على خوك باش تنجح في حياتك!) والانفتاح على اقتصاد السوق الحرة والليبرالية المتوحشة.
نجد هذه الفئة من المستغربين، المستعمرين فكريا وثقافيا في مجتمعنا، ينظرون باحتقار إلى الفتيات التي تلبسن « الخمار » أو « الحجاب » وينعتوهن بـ »المتخّلفات »، بـ »المستعبدات » في حين أنّهم يعتبرون الفتيات التي تكشفن رأسهنّ « متحرّرات » ويسمّونهن سيفيليزي Civilisées، أي « متحضّرات ». هذه النظرة هي نفسها النظرة التي تروّج لها وسائل اعلام الدول الغربية الامبريالية بخطابها عن ضرورة « تحرّر المرأة في البلدان المسلمة من قيود استعباد القرون الوسطى ». الفايدة: شبعونا مقروط!!!
لا يجب أن ننسى أنّ الأنظمة الامبريالية-الغربية منها- تعتبر كل شعب لا يتبنى تصوّرها لمفهوم « التحضّر » شعبا « بربريا »، « همجيا »، « منحطّا »، « متخلّفا » يجب « تحضيره » وهي في ذلك تمشي على خطى امبراطورية روما القديمة التي كانت تعتبر « بربريا » (أي همجيّا) كل شعب خارج عن سلطتها وعن « حضارتها » مهما كان انتمائه الجغرافي، وبالتالي فإنّ الرومان المحتلّين كانوا يصفون أجدادنا الأمازيغ بأنهم « بربريين » (مثلما كانوا يصفون الشعوب الجرمانية في أوروبا بأنّها « بربرية »[3]). يعني الفايدة من بكري وهوما يشبعونا مقروط!!!!
ما يدعونا في النهاية إلى القلق هو تغلغل مصطلح سيفيليزي ، الذي يتضمن نظرة استعمارية لمفهوم الحضارة، في مختلف أوساط مجتمعنا وتداوله على ألسنة الكثير من المواطنيين، لأنه لا يستعمل في الجزائر العاصمة فقط، بل نجده كذلك مستعملا في ولايات أخرى من الوطن كواد سوف، وهران، ميلة، سطيف، بسكرة، البليدة، الجلفة،…وعليه ندعو إلى ترك هذا الاستعمال الخاطئ لمصطلح « سيفيليزي » وإلى التدبر دوما في المصطلحات الجديدة المستوردة وفهم معناها الحقيقي كي لا نساعد أيديولوجية الاستعمار الثقافي على نشر المزيد من أفكارها في مجتمعنا، حتى وإن كانت مظاهر الاستلاب الهويّاتي والثقافي ملموسة بكثرة في وطننا اليوم، مع الأسف. لكن…لا يجب الاستسلام والتسليم بالأمر الواقع. إنّ مناهضة الفكر الاستعماري الجديد بوساطة الفكر هي كفاح يمارس كل يوم.
أتقدم بشكري الخاص إلى أمين خميسي، حسين قرّيشة، سارة عيّاشي، أسماء العربي، نور الدين قرين، إلهام مزيود وأميرة بن كحيلة على المعلومة المقدّمة حول استعمال سيفيليزي في الولايات المذكورة أعلاه.
بقلم: محمّد وليد قرين
المراجع التي اطلعنا عليها:
http://www.napoleontrois.fr/dotclear/index.php?post/2006/04/05/127-le-reve-arabe-de-napoleon-iii
http://lmsi.net/La-mission-civilisatrice-Premiere
Mission civilisatrice. Le rôle de l’histoire coloniale dans la construction de l’identité politique française, publié par Dino Costantini aux Éditions La Découverte.
[1] كشّاف وضابط في البحرية العسكرية الفرنسية (1839-1873)
[2] جنوب الفيتنام Vietnam حاليا
[3] لم يختف هذه التسمية مع نهاية الاحتلال الروماني لوطننا بل نجده (مع الأسف) في القرن الثالث عشر في اسم للحديث عن شمال افريقيا الذي أصبح بالفرنسية . أما بالنسبة للغة العربية فلقد أخذه العرب عن اللاتينية. في ما يخصنّا نرفض هذه التسمية المشحونة بنظرة احتقار وتعالي ونفضّل بدلها تسمية أمازيغ، نسبة إلى مازيغ، جد الأمازيغ.