من هي المرأة « السيفيليزي » في الجزائر؟ (الجزء الأوّل) تحليل نقدي

عندما يريد شخص ما، في مجتمعنا الجزائري، وصف فتاة أو امرأة لا ترتدي الخمار، غالبا ما يسمّيها « سيفيليزي » أو يقول « لابسة سيفيليزي » والملاحظ أنّ هذه التّسمية مستعملة اليوم من قبل فئة كبيرة من الشبّان في مجتمعنا.

إنّ تسمية « سيفيليزي » دخيلة على الدارجة الجزائرية وهي من أصل فرنسي. أخذت عن Civilisée وتعني « متمدّنة »، « متحضّرة »، « مهذّبة ».

نرى أن استعمال « سيفيليزي » خاطئ وخطير، حتى وإن يبدو أنّ عددا كبيرا من الشبان يستعملها بعفوية ومن دون التدبر في مدلولها، وسنعمل في هذا المقال على إظهار سبب ومدى خطورتها.

لنلقي الآن نظرة على تعريف فعل « تحضّر » وشخص متحضّر » في معجم المعاني الجامع عربي-عربي. إليكم التعريف:

تحضَّر البدويُّ أو الرِّيفيُّ : سكن المدينةَ واستقرّ فيها وتخلّق بأخلاق أهلها وعاداتهم. مثال: قلَّ عدد البدو الرُّحَّل بعد أن تحضَّر كثيرٌ منهم ،

  1. شخص متحضّر: مهذّب يعرف أدب السلوك.

  2. تحضّر: تمدّن، ازدهر، والازدهار هو التقدّم والتطوّر

حسنا، لقد تعرّفنا للتو على معنى تحضّر ومتحضّر. ولكن ما دخل التحضّر بملابس الفتاة؟  أيُقاس تحضّرها من خلال ثيابها؟! هل عدم ارتداء الفتاة لخمار يجعل منها متحضّرة؟!

نعتقد أن كل واحد منّا يعرف (أو يرى يوميا) فتيات مكشوفة الرأس-في الوسط العائلي، في الشارع، في مكان العمل أو في محيط الدراسة مثلا- وفتيات رأسهن مغطّى بخمار أو « حجابيات » (بالمعنى المتعارف عليه في مجتمعنا).  إن قلنا مع القائلين أن الصنف الأول « سيفيليزي » فالصنف الثاني من الفتيات لسن « سيفيليزي »، لسن « متحضّرات ».  هنا يكمن في رأينا خطر هذه التسمية، لأن الفتاة التي ليست « سيفيليزي » هي بالضرورة فتاة « متخلّفة« . هذا ما يتضمنه المعنى الخطير اللامنطوق لـ »سيفيليزي« ، فهو إذن مشحون بفكر عدواني يرتكز على الاقصاء. هل التحضّر مرهون بكشف الشعر؟! هل الأخلاق الحسنة هي ميزة المرأة التي لا تغطّي شعرها؟! طبعا لا وألف لا. فيما يخص موقفنا، ومن خلال التعريف الذي قدمناه لمعنى التحضّر، فنحن نعتقد أن المرأة يمكن أن تكون متحضرة ومهذّبة في سلوكها مهما كان زيّها، سواء أكان رأسها مكشوفا أو مغطّى بخمار، كما لا يمكننا موافقة الاعتقاد الذي يزعم أنّ الـ »حجابية » طيبة بالضرورة وأنّ المرأة المكشوفة الرأس سيئة بالضرورة. إنه اعتقاد خطير وباطل لا يرتكز على أي أساس من الصحة. لا ينبغي تقسيم النساء إلى اصناف لأنه تقسيم ينمّي العداوة بين النسوة في المجتمع ونقترح بدل هذه الرؤية الضيقة الأفق اعتبار المرأة كإنسان أوّلا وقبل كل شيء والقول أن هناك نساء سيئات ونساء طيبات كما يوجد رجال طيبون ورجال سيئون.

 نرى أنّ تسمية سيفيليزي المتداولة في عربيتنا الدارجة تحمل التصور الغربي للـ »حضارة » وللإنسان الـ »متحضّر » وهي تسمية صادرة عن فكر استعماري غربي (وبالضبط فرنسي) وعن محاولة غزو ثقافي جديدة لمجتمعنا. كيف؟ لأنّ تسمية « سيفيليزي » بمدلولها الاستعماري تذكّرنا بـ »المهمّة » التي كان يتباهى بها النظام الكولونيالي الفرنسي خلال احتلاله لوطننا. ألم يكن النظام الاستعماري الفرنسي يزعم أنه احتلّ الجزائر « من أجل تشييد الحضارة » أو من « أجل تلقين الحضارة للجزائريين الهمجيّين »؟

بقلم: محمّد وليد قرين

Publicité

Votre commentaire

Entrez vos coordonnées ci-dessous ou cliquez sur une icône pour vous connecter:

Logo WordPress.com

Vous commentez à l’aide de votre compte WordPress.com. Déconnexion /  Changer )

Image Twitter

Vous commentez à l’aide de votre compte Twitter. Déconnexion /  Changer )

Photo Facebook

Vous commentez à l’aide de votre compte Facebook. Déconnexion /  Changer )

Connexion à %s

%d blogueurs aiment cette page :
search previous next tag category expand menu location phone mail time cart zoom edit close