هو الـ »فاهم » ضد « الشعب الجاهل » »

هو « لحق« . هو « فهم« ! تسمعه يصرّح عندما يرى نفايات ملقاة في الشارع « يخّي شعب موسّخ! » أو « شعب ما شي مربّي! » أو « شعب شكوپّي! »

ما شاء الله على تلك الـ »فهامة »! الله يبـــــــــارك!

من هذا الذي « فهم كل شيء » وأعطى لنفسه الحق في سبّ الشعب؟

إنّه « خونا الفاهم »، طبعا! يدّعي هذا الشخص الذي « لحق »، الذي « فهم »- لأنّه قرأ العديد من الكتب وحصّل معرفة « كبيرة »- أنّه متفوّق على عامة الناس، أنّه أفضل منهم. موقفه من مواطنيه موقف نخبوي وبالتالي متكبّر، متغطرس. « فهامته » تجعله لا يشعر بانتمائه إلى الشعب. هذا النوع من الأفراد لا يشعر حتّى بالمواطنة. في مخيلّته يتكون المجتمع من معسكرين: « هو »، أو هو و »الفاهمين » مثله، من جهة، و »السواد الأعظم »، « الشعب الجاهل » من جهة أخرى.

بالإضافة إلى الموقف النخبوي هناك احتقار من نوع آخر ينبع عن عنصرية اجتماعية والذي نجده عند فئة البورجوازيين أو الرأسماليين[1] و الأوليغارشيين[2] في وطننا. تعتبر هذه الفئة الشعب « كتلة فوضوية »، « كتلة من الجهلة »، « خردة »…

إليكم الآن نماذج أخرى عن احتقار هذا النوع من « الفاهمين » (و »الفاهمات » أيضا) النخبويّين المتكبّرين لمواطنيهم:

  • « ما نديرش لاشان[3] مع الشعب »!، عندما يرون أن هناك طابور طويل من الناس في مركز البريد مثلا أو عند مدخل مطعم ما.

  • « يخّي شعب جاهل. شعب مريض! » عندما ينتقد « الفاهمين » مثلا الناس الذين لا يهتمّون بالمطالعة ولديهم محاط اهتمام أخرى.

  • « كرهت من شعب الشكوپي هذا! شعب زبل! » عندما ينتقد مثلا هؤلاء « الفاهمين و »الفاهمات » آفة التحرّش الجنسي في مجتمعنا.

غريب وعجيب أمر هذا الشخص الذي يحتقر مواطنيه، يحتقرنا نحن (أنتم يا قراء وأنتن يا قارئات وكاتب هذا النصّ وجميع مواطنينا) . من أين له « علم الغبّار » هذا الذي مكّنه من معرفة جميع أفراد شعبنا؟! يطلق أحكامه كأنّه خالط كل الجزائريين والجزائريات. هذه الفئة من الأشخاص المتكبّرين على مواطنيهم، عندما يتحدّثون عن آفة اجتماعية  (العنف الاجتماعي مثلا)، لا يبحثون عن جذور وأسباب بروز الحوادث العنيفة في مجتمعنا، بل يحمّلون كل الشعب مسؤولية العنف، كما لو أنّ مجتمعنا « عنيف بطبعه ».هذه الفئة من المتكبّرين على مواطنيهم لا يتضامنون مع معاناة وآلام أولاد وبناة بلادهم أو يحتقرون سكّان الأحياء الشعبية، يتعالون على الـزواليّة، على المحتاجين. هذا النوع من الـ »فاهمين » يحبّ « يجمّع »، يحبّ التعميم في الانتقاد. « فهامتهم » جميلة، أليس كذلك؟

دعونا الآن نذكّر هذا « الفاهم » بمفهوم الشعب: الشعب هو جميع سكّان البلاد! أي الخبّاز الذي يشتري من عنده الخبز، صاحب الـ »بيروطابا » الذي يقتني من عنده السجائر (إن كان مدخّنا) أو يعبّئ له رصيده في الهاتف، القهوجي الذي يعصر له قهوة، حارس الـپاركينڨ (موقف السيارات) الذي يحرس له سيارته، زملائه في العمل، جاره، وحتّى هو وعائلته جزء من الشعب، شاء أم أبى.

يكتب الأديب الجزائري عبد الحميد بن هدّوڨة، في روايته « بان الصبّح[4]« ، ما يلي:

« الشعب الحقيقي موجود في كل مكان، ليس في القصبة وحدها، والعيش معه هو معاناة آلامه، لا التنزّه عليها! »

كتب المقال: محمّد وليد ڨرين

[1]  الرأسمالي: الشخص الذي يملك وسائل الانتاج يشتغل عنده عامل أو عمّال يستغلّهم الرأسمالي ويسرق « حقهم » ويمص « عرقهم ودمهم » ، يعطيهم مقابل عملهم الشاق راتبا شهريا هزيلا.

[2]  الأقلية في المجتمع من أصحاب النفوذ المالي. oligarques

[3]  الطابور. مقترض من الفرنسية la chaîne

[4]  صدر لدى « الشركة الوطنية للتشر والتوزيع »  SNED، 1980. دار الآداب ، بيروت، 1991. أعيد نشر الرواية لدى « دار القصبة للنشر » Casbah éditions، الجزائر، قبل بضعة سنين.

Votre commentaire

Entrez vos coordonnées ci-dessous ou cliquez sur une icône pour vous connecter:

Logo WordPress.com

Vous commentez à l’aide de votre compte WordPress.com. Déconnexion /  Changer )

Image Twitter

Vous commentez à l’aide de votre compte Twitter. Déconnexion /  Changer )

Photo Facebook

Vous commentez à l’aide de votre compte Facebook. Déconnexion /  Changer )

Connexion à %s

%d blogueurs aiment cette page :
search previous next tag category expand menu location phone mail time cart zoom edit close