رُوزَا لُوكْسَمْبُورْغْ: ما أصل عيد العمّال في 1 ماي؟

rosa-luxemburg1

مقدّمة:
حاليا، يشتغل العامل 8 ساعات في اليوم في الشركة (عموما). يبدو هذا الأمر بديهيا، طبيعيا بالنسبة لأغلبية مواطنينا ومواطناتنا، ولكن هذا الأمر لم يكن أبدا طبيعيا ولم يكن موجودا منذ قرون من الزمن، بل هو ثمرة ونتيجة نضال طويل دام سنوات قاده العمّال ضد الإسغلال والحقرة في منصب الشغل، بفضل تنظيم وقفات احتجاجية وسلسلة من الإضرابات. تخيّلوا أنّ العامل كان يشتغل (إلى غاية نهاية القرن التاسع عشر 10 أو 12 ساعة في اليوم في الشركة أو في المصنع (لوزين) على الأقل من دون عطلة أسبوعية أو سنوية ولا حماية اجتماعية! ضف إلى أن الأطفال والمراهقين، التي كانت أعمارهم تترواوح بين 9 و15 سنة، كانوا يعملون في المصانع أكثر من 10 ساعات في اليوم! كارل ماركس يتحدث بالتفصيل عن وضع العمّال البائس في كتابه « رأس المال »، في فصل يوم العمل

لم يتم الإعتراف بحق العمال في ضمانات اجتماعية ولم يستطع العمّال انتزاع الحق في عطلة سنوية إلا في ثلاثينيات القرن 20!

إنّ يوم العمل الذي لا يتجاوز 8 ساعات ليست صدقة أو شفقة من عند الرأسمالي (المالك لوسائل الإنتاج) أو ربّ العمل، بل يرى فيها المُستَعْبِدُون العصريون مناسبة لكي يعيد العامل استرجاع قوّة عمله.

إنّ يوم العمّال يخلّد ذكرى كفاح العمّال من أجل ظروف عمل جيّدة ينعدم فيها الإستغلال ، تنعدم فيها الحقرة ونصّ روزا لوكسمبورغ الذي نضعه اليوم بين متناول القارئ والقارئة يؤرّخ لهذا الكفاح العمّالي.

إنّ يوم العمّال هو برهان أنّ كرامة العامل لا تمنح مجانا وأنّ الإستغلال والحقرة ليسا أمران حتميّان لا يمكنهما الزوال . إنّ النضال المستمرّ وحده من سمح للعمّال بافتكاك الحق في الضمان الإجتماعي والعطلة الأسبوعية والسنوية.

لا يزال عمّال في وطننا وفي بقية أرجاء العالم يشتغلون من دون عقد، من دون حماية اجتماعية، أو موظّفون يعملون في يوم عطلة أسبوعية (بالخصوص في بعض الشركات الخاصة) هذا أمر رهيب، استعباد فظيع! بل لا يزال أطفال يشتغلون

لا توجد حالة في هذه الحياة الدنيا غير قابلة للتغيّر، إذ إنّ حقرة مدراء في شركة معينة أو في مصنع ما يمكنها أن تزول إن اتّحد العمال وشكّلوا جبهة ترفض الاستعباد . النضال ممكن. الرفض ممكن. وحدها الإنهزامية من تبقي الإنسان سجين أغلاله.

يقول مثلنا الشعبي: « الحركة بركة. » أجل! يجب على العامل المحقور أن يتحرك، أن يتحّد مع رفقائه في العمل من أجل إنهاء الحقرة، أو من أجل الحصول على حق ما (انعدام العقد، انعدام الضمان الإجتماعي مثلا) انتزعه منه الرأسمالي. النضال هو الحل، فإنّ في الخمول والتمسكن رذيلة وفي الحركة والكفاح فضيلة!

كتب المقدّمة: محمّد وليد قرين

نص روزا لوكسمبورغ: ما أصل عيد العمّال في الأول من ماي؟

وُلِدَت الفكرة الرائعة، في استخدام الإحتفال بالعطلة البروليتارية كوسيلةً للحصول على يوم عملٍ ذي 8 ساعات{1}، في استراليا أولاً . هناك قرّرَ العمالُ ، سنة 1856، تنظيمَ يومٍ للتوقف الكامل عن العمل مصحوبٍ باجتماعاتٍ وتسلياتٍ، تأييداً ليوم عملٍ ذي 8 ساعات فتمّ تحديد هذا الإحتفالُ في الحادي والعشرين من أفريل وكان العمال الأستراليون يفكرّون في البداية في القيام بتظاهرة واحدة فقط، في عام 1856 . لكن الإحتفال الأول كان له وقعٌ شديدٌ على جماهير البروليتاريا في أستراليا، رافعاً معنوياتهم، ودافعاً إياهم نحو تحريضٍ جديدٍ، وهكذا تقرّرِ أن يقام الإحتفال كل عامٍ.

والحقّ يقالُ: ماذا يمكن أن يمنح العمالَ شجاعةً أكثرَ، وإيماناً بقوّتهم، غير توقُّفٍ تامٍّ عن العمل، قرّروه بأنفسهم ؟ وماذا يشجِّـع المُسْتَعْبَدِين المؤبَّدين للمعامل والـمَـشاغلِ غير تعبئة قوّاتهم الخاصة ؟ هكذا جرى التقبُّـلُ السريع للإحتفال البروليتاري ؛ ومن أستراليا بدأَ ينتشر في البلدان الأخرى، حتى شملَ العالَمَ البروليتاري بأســرهِ.

إنّ العمال الأميركيين  كانوا أوّل مَن حذا حذوَ العمالِ الأستراليين إذ أنهم  قرروا في 1886 أن يكون الأول من ماي يوم عطلة عمل كاملة. في ذلك اليوم، ترك  200000 عامل أماكن عملهم وطالبوا بيوم عملٍ ذي 8 ساعاتٍ. في ما بعدُ، منعت الشرطة والمضايقاتُ الحكومية العمالَ من إعادة تظاهرةٍ بهذا الحجمِ ، وذلك طوال عدّة سنوات. لكن العمال جددوا قرارهم في العام 1888 وحدّدوا تاريخ الإحتفال القادم في الأول من ماي 1890.

خلال ذلك، كانت حركة العمال في أوربا قد تعزّزت وأصبحت نشيطة  وحدثَ التعبيرُ الأجلى لهذه الحركة في مؤتمر العمال العالمي، سنة 1890. وفي هذا المؤتمر الذي حضره أربعمائة مندوب، تقرّرَ أن يكون المطلبَ الأولَ هو الحصول على يوم  عمل ذو 8 ساعات وعرّج  مندوبُ النقابات الفرنسية، العاملُ لافين{2} من بوردو، على ذلك القرار واقترح أن يُـعَـبَّـرَ عن هذا المطلب، في جميع بلدان العالم، من خلال توقفٍ شاملٍ عن العمل و أشار مندوب العمال الأميركيين إلى قرار رفاقه بالإضرابَ في الأول من ماي 1890، فقرّرَ المؤتمرُ اعتبارَ هذا التاريخ يوماً للإحتفال البروليتاري العالمي.

فكّـرَ العمالُ إذًا القيام بتلك التظاهرة مرة واحدة فقط وكان ذلك نفس تفكير العمال الأستراليين قبل ثلاثين عاما.

قرّر المؤتمر أن يتظاهر عمالُ كل البلدان، معاً،  في يوم الأول من ماي من أجل المطالبة بيوم عملٍ ذي 8 ساعات.

لم يتحدّثْ أحدٌ عن تكرار تلك العطلة في السنوات المقبلة. ومن الطبيعي أن أحداً لم يكن ليتنبّـأَ بالسرعة الخاطفة التي ستنجح فيها الفكرةُ، ويجري تبنِّـي الطبقة العاملة لهذه الفكرة. وعلى أي حالٍ، كان مجرد الإحتفال بأول ماي، مرة واحدة، كافياً  لكي يفهم الجميعُ ويشعروا بأن الأول من ماي ينبغي أن يكون تظاهرة مستمرةً يتم تنظيمها كل عامٍ.

لقد سجّل تاريخ الأول من ماي تطبيق يوم العمل ذي الساعات 8. لكنْ حتى بعد بلوغ هذا الهدف، لم يتم التخلِّـي عن الأول من ماي. فما دامَ نضال العمال ضد البورجوازية والطبقة الحاكمة مستمراً، وما دامت الـمَطالبُ لم تُـلَـبَّ، فإن الأول من ماي سيكون التعبيرَ السنويّ عن تلك الـمَـطالب وحينَ يطلُّ فجرُ أيامٍ أفضلَ، حين تحقّق طبقة العمال تحرّرها في جميع العالم،  فمن المحتمل أن يتم آنذاك الإحتفالُ بالأول من ماي، لتخليد ذكرى النضال المرير والمعاناة الماضية الكثيرة.

 {1} كان العمّال ، قبل قراراهم الإنتفاضة على الحقرة والتظاهر في 1 ماي، يشتغلون 10 أو 12 ساعة في اليوم، على الأقل! أي أن العمل كان يجري في ظروف استعباد حقيقية وكان العمال لا يتمتعون بأي حق (لا الحق في العطلة السنوية ولا الحق في الحماية الإجتماعية مثلا) كان العمّال ، قبل انتصارهم في الحصول على  8 ساعات عمل في اليوم فقط، عبيد أرباب العمل المالكين لوسائل الإنتاج الذين كانوا يستغلوّنهم ويحقرونهم

{2} Raymond Lavigne

Rosa Luxemburg/ Róża Luksemburg   كتبت النص: روزا لوكسمبورغ

ترجمة: سعدي يوسف

مراجعة تصحيح وتنقيح: محمّد وليد قرين

 صدر هذا النص لأول مرّة باللغة البولندية في المجلة البولندية سبرافا روبوتنيتشا  (قضية العمال)، في سنة 1894.

Sprawa Robotnicza

من هي روزا لوكسمبورغ؟

من إعداد: محمّد وليد قرين

 مُنَظِّرة وناشطة سياسية يسارية بولندية وألمانية. مناضلة ضد الاستعمار والإمبريالية الغربية. ناشطة سياسية من أجل العدالة الإجتماعية. مؤسسة الحزب الإشتراكي البولندي الليتواني ومؤسسة الحزب الشيوعي الألماني. تنتمي روزا لوكسمبورغ إلى تيار الإشتراكية الديموقراطية. 

وُلِدَت سنة 1870 ببولندا في مدينة زاموشْتْشْ، التي كانت آنذاك جزءا من الامبراطورية الروسية.

لقد دافعت روزا لوكسمبورغ طوال حياتها عن حقوق العمال المظلومين وعن الشعوب المقهورة فندّدت في كتابها « مدخل إلى الإقتصاد السياسي » بسياسة فرنسا الاستعمارية  خلال احتلالها لوطننا الجزائر (بالخصوص سياسة مصادرة الأراضي) وتحدّثت في كتابها ذاك عن المجتمع  البدائي المشاع  في بلدنا (درست نظام الملكية والملكية الجماعية عند الجزائريين في منطقة القبائل وعند الجزائريين الناطقين بالعربية ) . تبنّت روزا لوكسمبورغ مفهوم الإضراب العام للعمّال ووقفت ضدّ الحرب العالمية الأولى وسحبت عضويتها من الحزب الألماني الإشتراكي الديموقراطي عندما أيّد ذلك الحزب مشاركة الامبراطورية الألمانية في الحرب العالمية الأولى. شاركت روزا لوكسمبورغ في الثورة الألمانية في نوفمبر 1918 وأسست ، رفقة الناشط السياسي الألماني  كارل ليبكنيخت* ، الحزب الشيوعي الألماني. 

جدير بالإشارة إلى أنّ روزا لوكسمبورغ كانت ناشطة ومنظّرة سياسية في وقت كانت النساء في أوروبا تعاني من الإحتقار والتهميش وكان ينظر إليهن كمواطنات متخلّفات من الدرجة الثانية .

تم قتل روزا لوكسمبورغ رفقة كارل ليبكنيخت في سنة 1919 على يد جنود من الجيش الألماني كانت تحكمة جماعة يمينية متطرفة، جماعة كانت ستؤيد المجرم النازي الإمبريالي أدولف هتلر في ثلاثينيات القرن الماضي.

*Karl Liebknecht

من أبرز مؤلّفاتها/كتبها:

  • Einführung in die Nationalökonomie مدخل إلى الإقتصاد السياسي 

  • Die Akkumulation des Kapitals   تراكم رأس المال

  • Frauenwahlrecht und Klassenkampf  حق تصويت النساء وصراع الطبقات

  • Massenstreik, Partei und Gewerkschaften الإضراب العام، الحزب والنقابات

  • المصادر

Votre commentaire

Entrez vos coordonnées ci-dessous ou cliquez sur une icône pour vous connecter:

Logo WordPress.com

Vous commentez à l’aide de votre compte WordPress.com. Déconnexion /  Changer )

Image Twitter

Vous commentez à l’aide de votre compte Twitter. Déconnexion /  Changer )

Photo Facebook

Vous commentez à l’aide de votre compte Facebook. Déconnexion /  Changer )

Connexion à %s

%d blogueurs aiment cette page :
search previous next tag category expand menu location phone mail time cart zoom edit close