
من عادة الكثير من مواطنينا وصف كل عمل غير متقن بـ »خدمة العرب ». فمثلا تسمعهم يقولون عندما يرون طريقا معبّدا مليئا بالحفر الصغيرة أو بالحدبات: « يخّي خدمة العرب! » أو تسمعم يقولون عندما يرون أو يعلمون أنّ مشروع بناء يسجّل تأخّرا: « إيه، العربي فنيان! ما يحبش يخدم! ». أمّا نحن فنتسائل حائرين: « واش دخّل العربي في الوسط؟ » من هو هذا العربي وهؤلاء العرب؟ هذا « العربي » هو الجزائري وهؤلاء العرب » هم نحن الجزائريّون »!
إنّ « العرب » هي التسمية التي أطلقها علينا الاستعمار الفرنسي خلال احتلاله لوطننا[1].إنّ هذه التسمية تحمل عند المستعْمِر معنا سلبيّا مرتبطا بالرداءة وبالشر والسلطات الاستعمارية الفرنسية لم تكن تفرّق في احتقارها بين الجزائري المتحدث بالعربية والجزائري المتحدث بالأمازيغية بمختلف لهجاتها. فأجدادنا كلهم كانوا « عرب وسخين » بالنسبة للكولون (المستوطن الفرنسي)! .
في الحقيقة، إنّ « خدمة العرب » هذه هي الترجمة الحرفية للعبارة الفرنسية « عمل عرب! »{2} التي كان يطلقها المستعمر عن كل عمل غير متقن. كان الـكولون يقولها بتقزّز واشمئزاز ويربط إذًا العمل الرديء بعرق ما (العرب في هذا السياق) وهذا موقف نشتم فيه رائحة العنصرية النتنة. ماذا يعني كل ما قلناه؟ يعني أنّ الجزائريين المستعملين لعبارة « يخّي خدمة العرب! » و »العربي فنيان! » يسبّون ويحتقرون أنفسهم من دون أن يشعروا وينقلون خطاب المستعمر من دون أن يشعروا كذلك!
يقول محمّد بوحاميدي{3]: « إنّ عقدة المُسْتَعْمَر تتمثّل في حمل خطاب المُسْتَعْمِر في عقله. »
لنمر الآن إلى تحليل عبارة « العربي فنيان ». هي أيضا ترجمة حرفية للعبارة الفرنسية »العربي كسول! »{4} (مدلولها بالتعدي هو المسلم كسول) وهي صورة نمطية عن الجزائري روّج لها الفكر الاستعماري طوال مدّة احتلاله لوطننا وعمل على نشرها وسط المعمّرين زمرة من « العلماء » و »المختصّين » الفرنسيين. إليكم في هذا الصدد بعض ما قاله الاستعماريون الفرنسيّون عنّا، نحن الجزائريين، في القرن 19:
« لا يمكننا إنكار أنّ العرب والبربر، مقارنة بالأوروبيين، ينتمون حتما إلى أجناس دنيئة وخاصّة منحطّة (مختلّة) عقليّا » (دكتور ريكو، في 1880)
« لا نعلم قدر الفساد والرذائل الموجودة في هذا الجنس العربي أخلاقيا وبدنيّا » (تراي، في 1871)
« إنّهم كسالى وسفهاء، على الأقل فيما يخص العرب منهم: إنّهم لا يتصوّرن السعادة إلّا في حياة الكسل والرداءة لذلك تجدهم يقاومون العادات الأوروبية. » (ديمونتيس، في 1923)
إنّ المقاومة الشعبية المسلّحة والروحية (التمسّك بالإسلام وبالعادات والتقاليد) التي قادها أجدادنا كانت تعرقل المشاريع الإستعمارية الفرنسية في وطننا، ويبدو أنّ ضبّاط الجيش الفرنسي لم يكونوا يفهمون لماذا كان أجدادنا يقاومون قواتهم وينتفضون ضد اغتصابهم لأرض الوطن ويهدفون إلى تحريره. لقد أوّلت السلطات الإستعمارية الفرنسية المقاومة الوطنية الشعبية على أنّها « عدم امتنان » الجزائريين لـ »مهمّة فرنسا » التي « جاءت » إلى الجزائر لـ »تحضير » الجزائريين و »إخراجهم من ظلمات الجهل والتخلّف ».
اصطنع وفبرك النظام الاستعماري سلسلة من النظريات العنصرية والصور النمطية لتبرير « تفوّقه » في الجزائر وبرهنة « عدم مساواة الأجناس »، راميا من خلال كل ذلك تثبيط عزيمة أجدادنا للمقاومة. إنّ الاستعمار، من خلال ترويجه لعبارات مثل « العربي فنيان » و »العرب والبربر ينتمون حتما إلى أجناس منحطّة عقليّا » كان يقول لأجدادنا: « ولكن بربّكم، لماذا تقاوموننا؟!!! لماذا تحاربوننا؟!!! لا داعي للمقاومة فنحن ننتمي إلى جنس راق أرقى منكم أمّا أنتم فكسالى وفاسدون وتكرهون التقدّم. أنتم جنس دنيء يا جزائريون! هكذا خُلِقْتُم أفلا تعقلون؟!!! أي بعبارتنا الشعبية: » بلعوا! أغلقوا، زمّوا فمكم! خلّونا نستعمروكم على خاطرش انتم جنس متخلّف قابل للاستعمار! »
ما شاء الله! ما شاء الله على هذا العلم الكبير! إنّ عنصرية علم النظام الاستعماري لا حدود لها!
بعد استعراض أمثلة عن « تفوّق الفكر الاستعماري » سوف نمر الآن إلى حجّتنا المضادّة.
لنر أوّلا « تفنيين العربي » (كسل العربي) المزعوم على ضوء الوثائق التاريخية وعلى لسان المستعمر نفسه:
يكتب الكولونيل فوري في مذكّراته ما يلي: « انطلقت من مليانة وشرشال سبعة طوابير بهدف التخريب واختطاف أكبر عدد ممكن من قطعان الغنم وعلى الأخص اختطاف النساء والأطفال، لأن الوالي العام (وهو بيجو ) كان يريد بإرسالهم إلى فرنسا، أن يلقي الفزع في قلوب السكان ». ثم يعلّق فوري عن النتائج التي تحصّل عليها الطابور التابع له فيكتب: « اختطفنا في هذه الحملة ثلاثة آلاف من رؤوس الغنم وأشعلنا النار في ما يزيد على عشرة من القرى الكبرى وقطعنا وأحرقنا أكثر من عشرة آلاف من أشجار الزيتون والتين وغيرها[5]. »
يتحدث المفكّر الجزائري المرحوم مصطفى الأشرف في كتابه « الجزائر: الأمّة والمجتمع« عن الجوانب النفسية للإحتلال الفرنسي في وطننا فيكتب ما يلي: « في رسالة بعثها بيير دو كاستيلان، ابن المارشال المُسمّى بنفس الاسم، بعثها بتاريخ 28 مارس 1844، كتب يقول بعد أن وصف (منطقة) الظهرة بأنه بلد غنيّ حصب، فيه كثير من أشجار الفواكه، وبعد أ، تحدّث عن سكانها الذين « يعيشون في نظام يشبه النظام الجمهوري »، تابع كلامه قائلا: « مكثنا عدة أيام في مخيّمنا العسكري، ونحن خلال تلك المدّة نتلف أشجار التين والمحاصيل الزراعية ولم نغادر المنطقة إلّا بعد أن خرّبناها تماما…وبذلك أعطينا درسا قاسيا لهؤلاء السكان ». ثم انتهى إلى القول بأن: « العرب لا يخضعون إلّا للقوة الغاشمة[6]. »
بقلم: محمّد وليد ڨرين
[1] لقد عمدت فرنسا إلى تقسيم الشعب الجزائري إلى « عرب » و »بربر » تطبيقا لسياسة « فرّق تسد » وكانت (ولا تزال) تسمّي أغلبية الجزائريين (وجيراننا وإخوتنا التوانسة والمغاربة والليبيين) « عرب » ، فلا يجب إعادة تقسيم أنفسنا بحسب اعتبارات عرقية، لأن الأهم هي جزائريتنا، هي وطنيتنا، والحس الوطني هو الذي يجب أن يسود، لا الحس العرقي أو الجهوي..
{2} Un travail d’arabe
[3] فیلسوف جزائري. مدوّنته: http://bouhamidiover-blogcom.over-blog.com/
{4} l’arabe est fainéant!
[5] Forey, Campagnes d’Afrique, p. 310.
[6] P. de Castellane, Campagnes d’Afrique : 1835-1848, p. 338 تذكّرنا عبارة المقطع الأخيرة بتلك التي نسمعها في مجتمعنا اليوم: « العربي ما يفهم غير الدبّوس » أو « العربي لازم له الدبّوس باش يتسقّم! » . نرى بوضوح أنها ترجمة من الفرنسية إلى الدارجة الجزائرية وهي تنقل فكرا استعماريا ونظرة المستعمر عن كيفية التعامل معنا نحن الجزائريون.
ما شاء الله
J’aimeAimé par 1 personne