« خدمة العرب » و »العربي فنيان! »: من مخلّفات الفكر الاستعماري الفرنسي في العربية الدارجة الجزائرية (الجزء الثاني والأخير)

IMG_6286

ينقل لنا مصطفى الأشرف [4] في فقرة أخرى ما كتبه الكومندان لِيُو ، ضابط في جيش الاحتلال الفرنسي عن حملة شارك فيها في سهل الشلف، في سنة 1842، فنقرأ ما يلي: « منذ انطلاق الحملة إلى يومنا هذا، أي من 4 مايو ‘لى 20 منه، خرّبت كثير من القرى الآمنة وكميّة هائلة من المحاصيل الزراعية الغنية وإنّي متأسّف لهذا العمل العسكري المحتّم وهذه الوسيلة القاسية التي كرهتها كرها شديد. وحينما مررت لم أر في تلك المنطقة الرائعة سوى حقول زرعها العرب بمنتهى العناية[1]. »  ثم يكتب ليو في عام 1843 خلال تواجده في منطقة شرشال، ما يلي: « لقد هُدِمَت كثير من الدواوير وأزيلت من الوجود قرى بكاملها بعد اشعال النيران فيها. وقُطِعَت عدة آلاف من أشجار التين والزيتون وغيرها[2]. »

     سبحان الله! ما أعجب منطق السلطات الاستعمارية! تحرق وتتلف مصدر رزق الفلاح الجزائري (حقول الحبوب، أشجار الفاكهة والزيتون)، تدمّر منزله، تصادر أرضه، تشرّده، تتركه من دون عمل، ثم تقول عنه أنّه « فنيان »، « ما يحبش يخدم » (لا يحب العمل) وخرطيّات أخرى باهرة…

لقد رأينا للتو، من خلال المقاطع التي استعرضناها، أنّ « العربي الفنيان« ، أي الجزائري، كان ناشطا في الفلاحة والزراعة ويعتني بالأرض ويجني ثمرة عمله ويغرس أشجار الفاكهة والزيتون ويسكن في قرى أو في مدن (لا في الكهوف كما يزعم السفهاء !) وكل هذه الأعمال لا يقوم بها الإنسان الـفنيان (الكسول)، أليس كذلك؟

لو كان « العربي فنيان » لما ناضل وجاهد الأمير عبد القادر والخليفة بن سالم (في منطقة القبائل) والخليفة محمّد بلحاج (في منطقة الجريد والأوراس) والزعاطشة (في بسكرة) وسلمان الجلّابي (في منطقة توقّرت) وناصر بن شهرة (في منطقة الأغواط والصحراء الشرقية)  وفاطمة نسومر (في منطقة القبائل) وأولاد سيدي الشيخ (في منطقة البيّض) والشيخ المقراني وبوبغلة و الشيخ بوعمامة (في الجنوب الغربي) وغيرهم ضد عدوان الاستعمار الفرنسي من أجل طرده من أرض الوطن. إنّ الـفنيان لا يقاوم! الفنيان مصاب بمرض الخمول.

لو كان « الجزائري فنيان » لما قاد المجاهدون، مدّة 8 سنوات طويلة، حرب تحرير وطنية شعبية انتهت بتغلّب المقاومة على الجيش الفرنسي الامبريالي. الفنيان يعجز عن الكفاح وحمل السلاح من أجل التحرر من قيود العبودية!

يشهد لنا التاريخ بأنّ حرب التحرير الوطنية هي من أكبر الحروب التحررية ضد الاستعمار والامبريالية في القرن العشرين (إلى جانب حروب الفيتنام وأنغولا وغينيا بيساو والموزمبيق)

لو كان « الجزائري فنيان » لما تمّ بناء بعد الإستقلال مدارس ومتوسطات وثانويات وجامعات (جامعة العلوم والتكنولوجيا بالعاصمة ووهران، كليّة الحقوق بالعاصمة، جامعة الهندسة بالبليدة، المعهد الوطني للبترول  وجامعة المحروقات والكيمياء (بومرداس)، جامعات بجاية، خنشلة، سكيكدة، تيارت، باتنة، بسكرة، مستغانم، تيزي وزّو، بشّار، أدارا، إلخ، ومستشفيات ومصانع ومعامل وطنية (صونيباك، صونيتاكس، سنيك، صونيليك، صوناكوم، صوجيديا، أونالي، أونات، صونباك، أسانالبي)

لو كان « الجزائري فنيان » لما أنجب وطننا كتّابا وعلماء ومفكّرين كبارا من أمثال مصطفى الأشرف، محمّد بوضياف، الشيخ بن باديس، عبد الحميد بن هدّوقة، مولود معمري، محمّد ديب، مالك بن نبي، كاتب ياسين ، محمّد بن شنب وغيرهم.  وهم كُثُر…الفنيان، الكسول لا ينتج فكرا!

صحيح أن ثورة نوفمبر المجيدة مكّنت وطننا من استرجاع استقلاله ولكن بقي أن نتحرّر من الاستعمار الاقتصادي والإيديولوجي ومن الفكر الاستعماري الموجود في لغتنا الدارجة وهذا التحرر الفكري واللغوي ليس بالأمر المستحيل بالنسبة للمواطن الذي يمكن أن يقاوم على مستواه. يقول في هذا السياق المفكّر الجزائري فرانز فانون في مقاله نزع الاستعمار والاستقلال، الصادر على جريدة المجاهد بتاريخ 16 أفريل 1958، فيكتب ما يلي:

« التحرّر هو تحطيم النظام الاستعماري، انطلاقا من هيمنة لغة القامع وإقحامه الوطن إلى محافظاته وصولا إلى الوحدة الجمركية التي تبقي، في الواقع، المستعمر السابق في أغلال ثقافة، موضة وصور الاستعماري. »

 

بقلم: محمّد وليد قرين

[1] Lioux, campagnes d’Afrique, p. 307

[2]  المصدر نفسه

[3] طبيب مختص في الأمراض النفسيةFranz Fanon  وعالم اجتماع جزائري. مناضل من أجل استقلال الوطن خلال حرب التحرير ضد فرنسا. توفي سنة 1961. من أهم أعماله : « العام الخامس للثورة الجزائرية  » « معذبو الأرض « ، « جلود سوداء أقنعة بيضاء « 

[4] مفكر وكاتب وسياسي جزائري. مناضل من أجل استقلال الوطن خلال حرب التحرير ضد فرنسا. من أهم أعماله : « أسماء وأماكن  » و »الجزائر، الأمة والمجتمع « .

المراجع:

  • مصطفى الأشرف، الجزائر: الأمّة والمجتمع، ترجمة: الدكتور حنفي بن عيسى، دار القصبة للنشر، 2007، الجزائر.

  • Kamel Kateb, Européens, « Indigènes » et juifs en Algérie, (1830-1962), Editions el Maarifa, 2010, Algérie

  • Mostefa Lacheraf, Algérie : nation et société, Librairie François Maspero, Paris, 1965.

  • Frantz Fanon, Décolonisation et indépendance, El Moudjahid, n°22, 16 avril 1958,  in «Pour la révolution Africaine », Hibr Editions , Algérie, 2014.

Votre commentaire

Entrez vos coordonnées ci-dessous ou cliquez sur une icône pour vous connecter:

Logo WordPress.com

Vous commentez à l’aide de votre compte WordPress.com. Déconnexion /  Changer )

Image Twitter

Vous commentez à l’aide de votre compte Twitter. Déconnexion /  Changer )

Photo Facebook

Vous commentez à l’aide de votre compte Facebook. Déconnexion /  Changer )

Connexion à %s

%d blogueurs aiment cette page :
search previous next tag category expand menu location phone mail time cart zoom edit close