.كان يا مكان في يوم سبت، في شاطئ ما غرب العاصمة جماعة من 3 شركاء…عفوا من 3 أصدقاء
كانت الساعة تشير إلى الثانية زوالا
كان الأصدقاء الـ3 مجتمعين تحت شمسية كبيرة . كانت الشمس دائرة ملتهبة في السماء فقرّر الأصدقاء أن يستريحوا قليلا ويتناولوا وجبة الغداء بعد الاستمتاع بالغطس في البحر. كانوا يأكلون بيتزا بالخضر وأمام كل واحد منهم كأس مليء من كوكا كولا. إنه الكأس الثاني. وسطهم تتربص قارورة كوكا ضخمة (ليترين) مكتوب عليها « شارك كوكا كولا مع الاحباب ». بجانبهم قارورة ماء بسعة ليترين. يأكلون ويتحدثّون فيما بينهم. يتحدّثون عن الفتيات، عن المسلسلات الأخيرة التي تتبّعوها (أمريكية حتما)، وعن أشياء أخرى متعدّدة. قصرة أحباب. وكوكا كولا هي شريكتهم، هي التي ستمكنهم من تذوّق تلك اللحظة ، تلك القعدة الجميلة في البحر. أفيُعقل تذوق اللحظة بالنسبة لهؤلاء الأصدقاء من دون حضور الكوكا؟! أوّاه، العن الشيطان! الكوكا لازم تكون شريكي! » قد تكون هذه إجابتهم عن سؤالنا. وماذا عن الماء؟ الماء جيّد ولكن كوكا « أفضل »، « كوكا هي العروسة ».
سامي* مساعد مدير المبيعات في شركة سيارات أجنبية. يسكن في فيلا في الشراقة.
وائل متعامل تجاري في شركة أجنبية مختصة في خدمات البورطابل (الهاتف النقّال). يسكن في عمارة في زوج عيون.
وأخيرا رفيق يعمل في شركة عائلية خاصة لطباعة الشاشة الحريرية (سيريغرافي) . يسكن في عمارة في تيليملي.
لقد اشتر الأصدقاء الثلاثة البيتزا وقارورة كوكا كولا من فاست فود يملكه بولحية أربعيني يرتدي « قميصا » اتّباعا لسنة نبيّنا محمّد عليه الصلاة والسلام. على الأرجح هذا هو تفسير البولحية . المهم هذا ليس موضوع نصنا. ولكن يمكننا التساؤل : واشنو واشنو (ماذا؟) ؟ رجل متديّن في الظاهر يبيع الكوكا؟! رجل متديّن في الظاهر يبيع منتوجا يرمز إلى الاستعمار الاقتصادي العالمي الأمريكي!؟ يبيع الكوكا رمز طريقة العيش الأمريكية؟ يبيع مشروبا يحمل مبادئ المجتمع الرأسمالي المبني على الفردية والأنانية وعلى الادّعاء أنّ السعادة الشخصية تكمن في استهلاك سلع السوق!؟ علما أنّ كل هذه المبادئ متناقضة تماما مع قيم مجتمعنا الجزائري التقليدية والروحية المرتكزة على الاقتصاد في الاستهلاك وعلى التضامن بين الناس وعلى بناء علاقات أخوة فيما بينهم. الاسلام دين تضامن وأخوّة ونصرة المظلومين. امّالة كيفاش تقدر تبيع الكوكا يا خونا البولحية!؟ إنّ صاحب الفاست فود المتديّن في الظاهر لا يرى الأمور من هذه الزاوية، بل ينظر إلى مشروب الكوكا على أنه سلعة، مشروب غاز كباقي المشروبات التي يبيعها ( جيتوب، فانتا، عصير رويبة، إلخ.) وكسلعة تمثّل كوكا كولا بالتالي بالنسبة للبولحية مصدرا كبيرا للربح. الربح إذن، هذا كل ما يهم البولحية ومن يفكّر مثله. بالسم الربح وباسم « التجارة حلال » يتخلّى عبد الربح والأموال عن قيمه الدينية والإنسانية ويتناسى طمع الحكومة الأمريكية لأمركنة العالم ويتناسى أنّ السياسة الأمريكية قادت في بداية هذا القرن إلى غزو واحتلال الجيش الأمريكي لأفغانستان والعراق (بمشاركة جيش بريطانيا العظمى وجيش أستراليا الامببرياليين خلال الغزو ونشر قوات دول امبريالية كفرنسا واسبانيا وألمانيا أثناء احتلال أفغانستان، تحت رعاية حلف الناتو) وتقتيل المدنيين هناك بالمئات أو بالآلاف كما يتناسى أنّ تلك السياسة (بالتحالف مع حكومة فرنسا الامبريالية) مسؤولة عن تخريب جارتنا ليبيا وأنّها تدعم الاحتلال الصهيوني الرهيب وجرائمه اليومية في فلسطين المحتلّة. على فكرة إنّ نفس عبد المال هذا يلعن الكيان الصهيوني .
لنعد الآن إلى الأصدقاء الثلاثة المجتمعين في الشاطئ تحت الشمسية. أيفكرّون في السياسة العدوانية الأمريكية للاستحواذ على ثروات أمم العالم؟ أيفكرّون في سعي كوكا كولا ومن شابهها من الماركات الغربية عامة والماركات المتعددة الجنسيات خاصة لإستلاب مجتمعنا لكي يعتنق ّديانة الرأس المال العالمي؟ كلّا، إنّهم مشغولون بـ »تذوّق اللحظة » مع كوكا كولا، كما يقول شعار حملتها الاشهارية، رغم أنّه من عادتهم إعلان تضامنهم على الفيسبوك مع معاناة الفلسطينيين من النظام الصهيوني الوحشي، وذلك ببمشاركة فيديوهات وصور كلّما وقعت مذابح ارتكبها جيش الاحتلال الصهيوني.
لقد انتهى سامي ووائل ورفيق من أكل البيتزا وشربوا لحد الساعة ليترا من » كوكا كولا. ليترا من « السعادة »، أي ما يقابل حسب الأطباء المختصين في التغذية 21 قطعة سكر! لو طلب منهم تناول كل هذا المقدار من السكر دفعة واحدة لما أكلوه. ودائما حسب الطب الغذائي فإنّ شرب كوكا كولا يسبب مع مرور الوقت السمن (وهذا ما حدث لجزء كبير من المكسيكيين) ويزيد من خطر الاصابة بمرض السكري ضف إلى ذلك أنّ الملوّن الغذائي للكوكا يحتوي على مادتين سامتين: المي 2 والمي 4 ومن المحتمل جدّا أن هاتين المادتين تعرّضان الشارب لخطر الإصابة بمرض السرطان. هل ينزعج الأصدقاء الـ3 بكل هذه المخاطر على صحّتهم؟ كلّا، لأنّ الكوكا هي شريكتهم في السعادة، هي « المشروب العجيب » الذي يمكّنهم من فتح السعادة. يجب أن تكون كوكا حاضرة كلّما كانوا سعداء. لقد تعوّدوا منذ صغرهم على خطاب الكوكا المدوّخ والسالب للعقول. لقد تعوّدوا على رؤية كوكا كولا في كل مكان: في المقهى، على شاشات القنوات التيليفزيونية الممحلية، في الشارع، …كبروا معها !!!! حتّى الممثّلة الإسبانية پينيلوپي كروز نراها تشرب كوكا كولا على لافتة تجارية ضخمة معلّقة على مبنى الرّوبيطة، في تيليملي أين يسكن رفيق. كوكا لسامي ووائل ورفيق وهم لكوكا فمن المستحيل إذن أن يتصوّروا حياتهم من دونها !!! « السعادة » في اللعب يا وسمك! حياة من دون كوكا قد تنقصهم من كمية « السعادة » أو قد تلغيها، بعيد الشر! ما شاء الله، ما شاء الله على تلك الفهامة
الساعة الرابعة ونصف. حان الوقت لكي يعود الأصدقاء الثلاثة إلى العوم في البحر بعدما التقطوا بعض صور « السيلفي » التي نشرها سامي على صفحته في الفيسبوك، لأنّ التقاط السيلفي في البحر من واجبات ثقافة الفرجة التي تعد صورة كوكا كولا جزءا منها. كان البحر غاصا بالناس في ذلك اليوم. أغلبيتهم شبان والكثير من هؤلاء شربوا خلال الغداء كمية معتبرة من كوكا كولا، الشيء الذي مكّنهم من « تذوق اللحظة » بل حتّى « لحظات ». ولكن انتاج أداة « فتح السعادة » لديه ثمن إذ إنّ مصانع شركة كوكا كولا مسؤولة مباشرة عن تجفيف آبار الفلاحين في سوازيلاند (بلد في قارتنا الإفريقية) وآبار الفلاحين في قرى بالهند (بمحافظتي راجستان وأوتار براديش) لأن تلك المصانع تمتص المياه الجوفية من أراضي الفلاحة لكي تستعملها في إنتاج المشروب الغازي. ولقد ألحق ذلك التجفيف، بطبيعة الحال، أضرارا جسيمة بحياة الفلاحين التي تعتبر الأرض مصدر رزقهم الوحيد. بالإضافة إلى كل هذا تهضم شركة كوكا كولا حقوق العمّال في نيكاراغوا (بلد في أمريكا الوسطى) من خلال منعهم من تنظيم أنفسهم في نقابة. هل يفكّر شاربو الكوكا كولا في ذلك الشاطئ في ظروف انتاج مشروبهم المفضّل؟ كلّا، لا يبالون بالفلاحين المساكين المحقورين لأنّهم « نواقرة » (زنوج) ولأنّهم هنود كما لا يبالون بحقوق العمّال المهضومة، سواء كانوا في نيكاراغوا أو في الجزائر. كلّ ما يهمهم هو فتح المزيد من « السعادة » لأن شرب الكوكا مقابل البحر « أنتيك » (جيّد)، « كُولْ »، « حطّة » »، « كْلاَسْ » ولأنهم تعوّدوا على أن تكون معهم حتى في رمضان. ألم يؤكّد إشهار كوكا كولا أنّ « رمضان دائما أحلى مع كوكا كولا؟ » وبما أنّ الإشهار يؤكّده فهذا « حتما صحيح » في رأي المدمنين على شرب الكوكا. ثم إنّ كوكا كولا ماركة يا جماعة. إيه، الماركة تبرّر قتل الضمير.
الساعة السابعة وخمسون دقيقة. عاد سامي ووائل ورفيق إلى مكانهم بعدما استمتعوا بالعوم في البحر واللعب بالكرة (والحديث) مع فتاتين، حنان وأحلام، كانوا قد تعرّفوا إليهما. كان العطش قد نال منهم فشربوا ليترا ونصف من قارورة الماء ثم أنهوا ما تبقى من قاروة كوكا كولا، أي أنهم تناولوا في النهاية 42 قطعة سكّر.
إيه، شارك السم والشر، « شريكي »!
يتحدث الفيلسوف كارل ماركس في المجلّد الأول من كتابه « رأس المال » عن ظاهرة اسمها صنميّة السلعة، أي أنّ السلعة تكتسب هيئة صنم في نظر المستهلك يعبدها ويقدّسها، وهذا في إطار عملية الإنتاج الرأسمالي المرتكزة على استغلال العمّال كالعبيد من قبل صاحب العمل أو الشركة المالك لوسائل الإنتاج.
كانت الشمس الآن على وشك الغروب. وقت السيلفي مع الأحباب وراء الشمس الغاربة قبل الرجوع إلى المنزل. هذا النوع من السيلفي في غاية الأهمية إذ « لا تصح مغادرة الشاطئ من دون إظهار لمئات الأصدقاء على الفيسبوك أننا استمتعنا بيومنا على البحر حتى غروب الشمس ».الأصدقاء الثلاثة سعداء على الصورة. ابتسامتهم مشرقة تليق بـلقطة اليوم. إنّها « اللقطة » التي « لا يجوز تفويتها » كما يمليه نظام الفرجة أخت العولمة وليدة الرأس مال العالمي الذي يقول لنا أنّ « لا سعادة خارج الاستهلاك! ».
يكتب عبد الحميد بن هدّوقة في روايته « نهاية الأمس »(1974) ما يلي: « هو (المعلّم بشير) ليس عدوّا لأي حضارة لكن لا يتوق أبدا أن يرى الجزائر في يوم من الأيام كهذه المجتمعات الغربية: تحيا لتستهلك… »
وائل « حكمت له » مع حنان. شعر أنه يعجبها. لقد أعطت له اسمها على الفايسبوك. وائل ميّت بالسعادة. إنّه يفكر من الآن في اللقاء القادم مع حنان (سيكونان وحدهما) ، لقاء سيكون كله « إحساس ومتعة » ويتذوّقان فيه « اللحظة » بحضور قارورة كوكا كولا شريكة « اللقاءات والعشق »، قارورة سيكون مكتوب عليها اسم…حنان.
من تأليف: محمّد وليد قرين
كل أسماء الأشخاص في هذه القصة من وحي خيال الكاتب*.
المصادر:
« نهاية الأمس »، عبد الحميد بن هدوّقة، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1975
كارل ماركس، الصنمية البضاعية وسرّها، الجزء الرابع من الفصل الأول: البضاعة، كتاب رأس المال، دار التقدّم، موسكو، 1985
ّhttp://www.dangersalimentaires.com/2011/04/coca-cola-une-boisson-dangereuse-et-cancerigene/
Un ex-employé de chez Coca-Cola parle : « ce que j’ai vu m’a horrifié »
http://www.slateafrique.com/5161/swaziland-la-coca-colonisation