« علاش ، بابا نيڨرو؟! » : في جذور الخطاب العنصري ضد السود في الجزائر

الـ« نيڨرو » يُقال عن الشخص أسود البشرة ويعني « الزنجي ». أصل المصطلح فرنسي أو ايطالي* وهو عنصري المضمون. يوجد مقابله في عربيتنا الدارجة وهو « أكحل » أو « كحلوش ».

سوف نعمل في هذا المقال على انتقاد عبارة تستعمل في دارجتنا ويتضمن مدلولها (معناها) عنصرية خطيرة ألا وهي عبارة « علاش بابا نيڨرو؟ » (لماذا، هل أبي زنجي؟ ») التي نسمعها خاصة في الجزائر العاصمة. وعادة ما يلفظ مستعمل هذه العبارة للتعبير عن رفض استغلاله في العمل خاصة، مهما كانت طبيعة هذا العمل.

ما المقصود من هذه العبارة عندما يتم التلفظ بها؟ المقصود منها هو أن الناطق بها (واعيا أو على مستوى اللاشعور) يزعم أنه متفوق عرقيا على الأسود، أنه ينتمي إلى عرق الأسياد، الحكام، وأن « النيقرو » ينتمي إلى جنس « حقير » « مستعبد » وأنه « خُلق للعمل الشاق من دون الاحتجاح » أو أنه « خُلق من أجل أن يتم استغلاله واستعباده » أي أنّه « عبد » بـ »طبيعته ». « علاش باب نيڨرو ؟! » يصرح الناطق بهذه العبارة عن « نبل أبيه » وبالتالي عن « نبله هو »، « أبوه ليس « زنجيا » أي ليس « عبدا ».

الملفت للإنتباه هو أن ظهور هذه العبارة حديث العهد في الدارجة العاصمية ولم تكن تُسمع في بلدنا في فترة الستينات والسبعينات عندما كانت الدولة الجزائرية تدعم عسكريا ودبلوماسيا الحركات التحررية ضد الاستعمار في قارتنا الافريقية كأنغولا وزيمبابوي وكانت تقف ضد النظام الميز العنصري في جنوب افريقيا، أي أن الخطاب الرسمي والجو السياسي والفكري آنذاك كان يحارب كل شكل من أشكال العنصرية ويشجّع الجزائريين ويدفعهم إلى التضامن مع اخوانهم الأفارقة بل كان يجعلهم يشعرون بإفريقيتهم (أي بانتمائهم إلى القارة الافريقية وبكونهم أفارقة) إلّا أن هذا التصور العنصري للأسود رجع بقوة في السنوات الأخيرة مع اضمحلال الوحدة الافريقية وانحصارها على الفلكلور فقط وتضرب هذه العنصرية جذورها عميقا في تاريخ وطننا كما سنراه في الفقرات القادمة.

img_77961

طبعا، لا يوجد جنس راق أو جنس متخلف بطبعه. العنصريون هم من يعتقدون العكس وهو إعتقاد لا أساس له من الصحة لأنه لا يرتكز لا على أدلة ولا على حجج علمية وعقلانية.

إنّ الله سبحانه وتعالى خلق البشرية بمختلف أجناسها ولم يفّضل أبدا جنسا على آخر. لا القرآن الكريم ولا الأحاديث النبوية تدعو إلى العنصرية. ونستذكر هنا الحديث النبوي الشريف « لا فرق بين عربي وأعجمي ولا أبيض ولا أسود إلّا بالتقوى ». يعني أن الاسلام يدعو إلى الأخوة والتآخي. يبدو هذا الأمر بديهيا لدى جميع المسلمين، وقد يتّفق مع محتوى الحديث النبوي حتى العنصري نفسه (عندما يسمعه أو يقرأه) إلا أن الأمور ليست بمثل هذه البساطة ويبدو أن الوازع الديني لا يقف سدا، للأسف، أمام المشاعر العنصرية. لكن لماذا؟ لإيجاد الجواب يجب الرجوع قليلا إلى ماضي بلدنا والاستعانة بعلم الاجتماع والفهم المادي للتاريخ. إن تأمّلنا مكونات المجتمع في فترة الجزائر العثمانية (المحتلة عسكريا من قبل جيش وسلطة أجنبيان كانا يمثلان الدولة العثمانية) فسنلاحظ أنّ السود كانوا يستخدمون كخدم في منازل الطبقة الحاكمة من المسؤولين الأجانب (أتراك وأوروبيون مسلمون متتركون) وفي منازل الكراغلة  وكبار التجار الجزائريين المرفّهين في العاصمة[1] وفي عواصم البایلیك الكبرى للوطن. كان الخادم الأسود في بيت هؤلاء الوجهاء أو أصحاب السلطة يُسمّى « الوصيف » والخادمة السوداء « الوصيفة » (هذه العبارة كانت مستعملة بالعاصمة). أمّا في شرق وجنوب شرق الوطن فقد كان الخدم السود يسمون « الحشاشنة » (بمنطقة وادي سوف وبسكرة وورقلة مثلا) ويتم استغلالهم كعبيد في التقاط عراجين التمر في حقول النخيل التابعة  لرؤساء قبائل المخزن[2] المحليين المتعاونين مع السلطات العثمانية.

يقول الفيلسوف وعالم الاجتماع كارل ماركس أنّ « الأفكار التي سادت عصرا من العصور لم تكن قط (أبدا) إلّا أفكار الطبقة السائدة[3]« .

يتضح لنا على ضوء هذه الجملة أن النظرة العنصرية تجاه السود انتشرت في بلدنا في أوساط عامة الناس لأنها كانت تعكس نظرة طبقة المستعبدين للسود، أي  الطبقة المالكة للسلطة السياسية وللنفوذ الاقتصادي (سبق أن ذكرنا عناصرها) التي كانت تعتبر الانسان ذات البشرة السوداء « شبيها بالدابة »، « شبه انسان »، « خُلِقَ ليتم استعباده ». ونشأت هذه النظرة العنصرية كما استعرضناه للتو قبل فترة الاستعمار الفرنسي لوطنناإذ كانت موجودة خلال الجزائر العثمانية.

« علاش بابا نيڨرو؟! » ليست إلا عبارة نموذجية تعكس نظرة عنصرية عن السودان في مجتمعنا وأفضل دليل عن هذه العنصرية هي الأحكام المسبقة المؤسفة لدى الكثيرين من مواطنينا حول باقي اخوتنا الأفارقة ذوي البشرة السوداء (لأننا أفارقة) كالاعتقاد أن « الأسود حامل للأمراض »، « الأسود ناقل للسيدا »، « الأسود همجي »، « الأسود بهيمة حبيس غرائزه الطبيعية »، « الأسود مهووس  بالجنس » وغيرها من الصور النمطية المقززة عن « طبيعة النيڨرو ». يجب إذن التخلي عن استعمال عبارة « علاش بابا نيڨرو؟! » التي يقولها البعض من دون التدبر في معناها العنصري.

بالاضافة إلى كون عبارة « علاش باب نيڨرو؟! » عنصرية عفنة فهي شتم لا يمكن تقبّله لكل مواطنينا ذوي البشرة السودا.

إنّ العنصرية تفرّق صفوف المواطنين. العنصرية تفرق الزوالية. العنصرية تفرّق طبقة العمّال. لا وجود لجنس أسياد ولجنس عبيد، وإنّما هناك طبقة أسياد مستغلين  (بكسر الغين) وطبقة مستغلة (بفتح الغين) بمختلف لون بشرتها وعليه يجب الوقوف ضد استغلال الإنسان للإنسان.

نحن شعب واحد بأبيضه وأسوده وأسمره (لون البشرة لا يهم هنا وإنما يهمنا الانتماء إلى وطن واحد اسمه الجزائر، أليس كذلك؟

بقلم: محمّد وليد ڨرين

img_77341

*Négro/Negro

[1]  صالح عبّاد، الجزائر خلال الحكم التركي، دار هومة. يكتب عبّاد: « العبيد السود هم الذين كان ينقلهم التجار من افريقيا وكانوا موضوع تجارة مربحة، خاصة بعد تحوّل طرق الذهب الإفريقي نحو المشرق. كان الأتراك والكراغلة وحضر مدينة الجزائر يقبلون على اقتناء هؤلاء العبيد. كانت تقرت وورقلة تقدمانهم ضريبة للأتراك. » (الصفحة 360)

[2]  صالح عبّاد، الجزائر خلال الحكم التركي، دار هومة. يقول المؤرخ عبّاد متحدثا عن قبائل المخزن: « كنا رأينا كيف لجأت السلطة التركية إلى تجنيد بعض القبائل لاستعمالها كقوة ضاربة في الأرياف (…) كما تعرّضنا إلى الامتيازات التي حصلت عليها هذه القبائل ومنها الانتفاع من أراضي البايليك وأدوات العمل الفلاحي والإعفاء من الرسوم أو الضرائب من غير الزكاة أو العشور، والاستفادة من الغنائم أو الأسلاب أثناء الحملات الخ. » (الصفحة 366)

[3]  (كارل ماركس، في الفصل الثاني: بروليتاريون وشيوعيون، البيان الشيوعي، الصفحة 91، ترجمة عصام أمين، دار الفارابي، بيروت، 2008)

3 réflexions sur « « علاش ، بابا نيڨرو؟! » : في جذور الخطاب العنصري ضد السود في الجزائر »

  1. L’Algérie compte beaucoup d’intellectuels (noir) .ils ont les mêmes droits et devoirs bien sûr. Le problème pour moi c’est qu’au jour d’aujourd’hui ils ne sont représentés nul part. Les médias algériens les boycottent volontairement. Toutes les chaînes publics ou privés. A qui la faute ??

    Aimé par 1 personne

    1. Bonsoir Bensalem! Désolé pour notre réponse tardive. Nous sommes tout à fait d’accord avec votre observation. Effectivement, notre pays compte plein d’intellectuels noirs, mais malheureusement ils restent invisibles, comme « si ils n’existaient pas » ou bien comme si ils étaient « des algériens de seconde catégorie ». Et justement, notre texte essaie de fournir des pistes sur les raisons de ce boycott. Les causes sont à chercher dans le subconscient collectif du regard sur les noirs, qui plonge ses racines dans l’esclavagisme et l’image du noir serviteur du blanc qui était en cours bien avant l’invasion de notre pays par les troupes impérialistes françaises. Merci beaucoup pour votre commentaire!

      J’aime

Répondre à Bensalem Annuler la réponse.