« البلاد المتخلّفة »: تسمية غربية خشنة! (الجزء الأول)

شاع استعمال اصطلاح « البلاد المتخلّفة » غداة الحرب العالمية الثانية، بسرعة فائقة لحد أنه أصبح من المصطلحات الأكثر تداولا داخل الهيئات الدولية وخارجها…إلى جانب التسميات العديدة الأخرى، كالدول الفقيرة، أو « الأقل نموّا »، أو « دول الجنوب » أو « البلدان النامية » أو البلدان ذات الاقتصاد المشوّه…أو البلدان المتأخرة…إلخ، وهي بلدان آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية أي تلك البلدان التي تشكل الجزء المتخلف الأكثر حرمانا، والأعظم سكانا من البشرية.

وليس من شك في أنه إذا كان استخدام اصطلاح: « البلاد المتخلفة » قد ذاع على هذا النحو فإن ذلك يعزى إلى كون المشكلات والتحديات التي تواجهها تلك البلدان هي من أكثر المشكلات والتحديات الحاحا في النصف الثاني من هذا القرن.

ففي السنوات الأخيرة أدركات شعوب العالم الثالث سوء الأحوال التي تعانيها من التخلف الاقتصادي والاجتماعي، وأكّدت، بقوة متزايدة، أنها تريد أن تصل إلى مستوى معيشة أرقى وأنها تريد الاستفادة، هي الأخرى، من مزايا الحضارة الحديثة وما يوفّره العلم والتكنيك المعاصران.

استخدمت الأوساط الرأسمالية، في الولايات المتحدة، ثم في أوروبا، مفهوم « التخلّف » الشيء الذيجعل ولادة هذا المفهوم غريبة مشوهة، منذ البداية، ذلك أن الأوساط الاستعارية، قبل الحرب العالمية الثانية، كانت تخفي، عن قصد، بؤس البلدان الافريقية والآسيوية…بل وتظهر واقع هذه البلدان في صورة البلاد التي كانت تتخبّط في ظلمات التأخر إلى أن أدخلتها الحضارة الغربية فأخذت تنير لها الطريق وتقودها نحو النور والازدهار والتقدم! ولكن استقلال هذه الشعوب-شعوب العالم الثالث-جعل نفس هذه الأوساط الاستعمارية تبحث عن طرق ملتوية ووسائل جديدة لضمان استمرار وجودها السياسي في هذه البلاد واحكام سيطرتها الاقتصادية والعسكرية عليها*. ولقد اهتدت إلى وسائل المساعدات المالية التي توجهها إلى الدول الفتية-في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية-الحديثة العد بالاستقلال. وهذه الوسائل تثملت-خاصة- في الاستثمارات الخاصة والمساعدات التقنية والأحلاف العسكرية التي تركّز، جميعها، الوجود الاستعماري الامبريالي في هذه البلدان.

ولقد كان من الضروري-لجعل الرأي العام في بلاد العالم الثالث يتقبل هذه السياسة الجديدة-تنظيم حملة واسعة النطاق لإعطاء صورة عن « تخلّف وتأخّر » هذه البلدان واحتياجاتها الكبرى لمساعدات الدول الرأسمالية المتقدّمة. وكان، من الضروري أيضا، أن يقبل معظم قادة الدول في بلدان العالم الثالث « المتخلّفة » وكوادرها أن هذا التحليل وهذا العرض « السخي » لضمان الارتباطات البنيوية بين الرأسمالية والعالم الثالث. وهكذا جاء مفهوم « التخلّف » ليعبّر عن ايديولوجية رأسمالية تتناسب مع مرحلة نهاية الاستعمار القديم.  ثم سرعان ما استعمل هذا المفهوم من طرف أوساط مناهضة للاستعمار ومعادية للامبريالية، بل من طرف أوساط يسارية عملا على تغيير مضمونه وكشف أسبابه، وهي أسباب تختلف عمّا يرد في دراسات المفكرين التقليديين.**

يرفض الكاتب الماركسي الشهير شارل بتلهايم*** رفضا صارما تعبير « البلاد المتخلّفة » الذي يصفة بأنه « اصطلاح جديد » للتعبير عن حقيقة قديمة نسبيا…

وفي معرض تفنيده لرأي من يقول بصلوحية هذا المصطلح يقول بتلهايم بالحرف: فهو يعتقد « إنه إذا كانت مشكلات الشعوب المحرومة تسمى مشكلات « البلاد المتخلّفة » ولا تحمل اسما أدق علميا، فإنما يرجع ذلك إلى الشعوذة التي تمارسها-عن وعي أو بدون وعي (…) الايديولوجية البورجوازية (…)

نهاية الجزء الأوّل

مقتطف من كتاب محمود عبد المولى، « العالم الثالث ونموّ التخلّف » »، الدار العربية للكتاب، 1990

الصورة: رسم جداري للفنان  المكسيكي دييغو ريبيرا (1886-1957) Diego Rivera

*فتح الله ولعلو، « الاقتصاد السياسي »، دار النشر المغربية، 1971

**المرجع نفسه

***Charles Bettelheim

Votre commentaire

Entrez vos coordonnées ci-dessous ou cliquez sur une icône pour vous connecter:

Logo WordPress.com

Vous commentez à l’aide de votre compte WordPress.com. Déconnexion /  Changer )

Image Twitter

Vous commentez à l’aide de votre compte Twitter. Déconnexion /  Changer )

Photo Facebook

Vous commentez à l’aide de votre compte Facebook. Déconnexion /  Changer )

Connexion à %s

%d blogueurs aiment cette page :
search previous next tag category expand menu location phone mail time cart zoom edit close