جوهر الاستغلال الرأسمالي وقوة العمل بوصفها بضاعة

يعتبر الاستغلال الرأسمالي الشكل الأكثر حذاقة وتمويها للاستغلال.

لنأخذ على سبيل المثال عمل العبد. لقد كان العبد في حالات كثيرة جدّا مقيدا، بالمعنى الحرفي للكلمة، بالسلاسل ، إلى وسائل الانتاج. وكان الناظر (المراقب) يرغمه بضرب السياط على العمل لصالح صاحبه (مالكه). ولم تكن نتائج العمل العبودي وحسب، بل وكان العبد نفسه أيضا ملكية للسيد.

وفي ظل الاقطاعية يتّخذ الاستغلال شكلا سافرا أيضا. فالأرض ، التي هي وسيلة انتاج أساسية، تعود للإقطاعيين ويضطر الفلاحون والحرفيون على تقديم قسم من عملهم لسيدهم، أو للعمل في أرض الاقطاعي.

قوة العمل بوصفها بضاعة

إن الوضع في ظل الرأسمالية مغاير لذلك. ويتولّد انطباع بأن العمال يوافق بصورة طوعية وبرغبته على العمل لصالح صاحب الأعمال الرأسمالي. أمّا الرأسمالي نفسه فيبدو وكأنّه محسن: فهو يقدّم وسائل المعيشة للعامل وأسرته. ولكن ذلك ما هو سوى المظهر الخارجي وحسب للعلاقات الرأسمالية. ولكن ما هي حقيقة الأمر في الواقع؟ من الناحية الحقوقية لا يتعبر العمّال المأجورون ملكية للرأسمالي (مالك رأس المال) وهم أحرار من الناحية الظاهرية وشكليّا لا يرغمهم أحد على العمل لصالح الرأسماليين.. ولكنهم مضطرون للإقدام على ذلك في واقع الأمر لأنهم محرومون من وسائل المعيشة. ونظرا لكونهم لا يملكون وسائل الانتاج فلا يبقى أمامهم سوى مخرج واحد: هو أن يبيعوا للرأسمالي قدرتهم على انتاج البضائع، أي بيعه قوة عملهم، تلك البضاعة الخاصة التي يملكونها.

في المجتمعات ما قبل الرأسمالية لا تعتبر قوة العمل بضاعة، ونظرا لأن الكادح (الزوالي) نفسه يعود عمليّا للمستغل، وفقط في ظل النظام الرأسمالي تغدو قوة العمل موضوعا للبيع والشراء، أي بضاعة. وبصفتها بضاعة تملك قوة العمل الخصائص ذاتها التي تملكها أية بضاعة أخرى: فهي تملك قيمة وقيمة استهلاكية.

تباع قوة العمل في ظل الرأسمالية لقاء أجرة معينة. وليس بوسع المرء أن يحافظ على قوة عمله (أي القدرة على العمل) أو بالأحرى أن يجدّد انتاجها إلا عندما يلبّي حاجاته الحيوية. فهو يستهلك يوميا كمية معينة من الطعام ويرتدي الألبسة والأحذية ويجب عليه انفاق مصاريف معينة لرعاية أرسته. لذلك فإنّ قيمة قوة العمل تساوي قيمة وسائل المعيشة التي تتيح العيش للعامل وأسرته.

وتملك قوة العمل في ظل الرأسمالية قيمتها الاستهلاكية أيضا: فقوة العمل نافعة جدّا للرأسمالي. وكما سنرى فيما بعد فإنّ قوة العمل تعبتر مصدر اثراء رجل الأعمال الرأسمالي. والرأسمالي بشرائه لقوة العمل انّما يقتني البضاعة القادرة على انتاج القيمة الزائدة.

 

الكاتب: يوري بوبوف

ترجمة (من الروسية): الدكتور اسكندر ياسين

مقتطف من كتاب « دراسات في الاقتصاد السياسي، الامبريالية والبلدان النامية »، دار التقدم، موسكو، الاتحاد السوفيتي، 1984.

العنوان في اللغة الأصل: Юри Попов, Очерки политеческой экономии, Империализм и развивающиеся страны, Прогресс, СССР, 1982.

الرسم من انجاز الفنان الصربي يوغلاسف فلاخوفيتش Jugoslav Vlahović

Votre commentaire

Entrez vos coordonnées ci-dessous ou cliquez sur une icône pour vous connecter:

Logo WordPress.com

Vous commentez à l’aide de votre compte WordPress.com. Déconnexion /  Changer )

Image Twitter

Vous commentez à l’aide de votre compte Twitter. Déconnexion /  Changer )

Photo Facebook

Vous commentez à l’aide de votre compte Facebook. Déconnexion /  Changer )

Connexion à %s

%d blogueurs aiment cette page :
search previous next tag category expand menu location phone mail time cart zoom edit close