مقتطفات من « الميثاق الوطني »(1976): « إنّ الأمّة هي الشعب نفسه »

1

ليست الجزائر كيانا حديث النشأة. فمنذ أيّام ماسينيسا المؤسّس الأوّل للدولة النوميدية. ويوغرطا رائد المقاومة ضد السيطرة الرومانية. أخذ الإطار الجغرافي يتحدّد في معالمه الكبرى. وبدأ الطابع الوطني يبرز ويتأكد باستمرار خلال التطور الذي شهدته الجزائر في حقبة من التاريخ تزيد على عشرين قرنا. وبالإضافة إلى ذلك أخذت المقوّمات الأخرى للأمّة الجزائرية تتجلّى تدريجيا منذ القرن الأوّل الهجري/السابع .م متمثلة في الوحدة الثقافية واللغوية والقيم الروحية. وفي ضبط الشؤون الاقتصادية ضبطا يعبّر عن إرادة قوية في الاستقلال وتمسّك شديد بالحرية.

إنّ الجزائر أمّة. والأمة ليست تجميعا لشعوب شتّى أو خليطا من أعراق متنافرة.

إنّ الأمة هي الشعب نفسه باعتباره كيانا تاريخيا يقوم في حياته اليومية وداخل إطار إقليمي محدّد بعمل واع ينجز فيه جميع مواطنيه مهامّ مشتركة من أجل مصير متضامن ويتقاسمون سويّا نفس المحن والآمال.

img_8235

2

إنّ الاشتراكية في الجزائر لا تصدر عن أية فلسفة مادية ولا ترتبط بأي مفهوم متحجّر غريب عن عبقريتنا الوطنية. وإنّ بناء الاشتراكية يتماشى مع ازدهار القيم الاسلامية التي تشكّل أحد العناصر الأساسية المكوّنة لشخصية الشعب الجزائري.

والاشتراكية، إذ تقوم على العلم وعلم رفض استغلال الانسان للإنسان تعطي أولوية بالغة للحياة الروحية للإنسان في نطاق احترام حريّة التفكير وحرية الضمير التي يكرّسها الميثاق الوطني.

إنّ الاشتراكية ليست دينا وإنّما هي سلاح نظري واستراتيجي يأخذ بعين الاعتبار واقع كل شعب ويستلزم رفض كل تعصّب مذهبي أو تزمّت فكري.

3

وبهذا الصدد فإنّ ثورة الأول من نوفمبر 1954 تشكّل شاهدا عظيم الأهمية. فقد تحولت حرب التحرير الوطني إلى ثورة كبرى هي الثورة الديمقراطية الشعبية. وتحوّلت هذه بدورها شيئا فشيئا إلى حركة اشتراكية كبرى واسعة النطاق. وهذا التدرج التاريخي المتواصل قد كشف عن مدى قدرة الجماهير على العمل الخلّاق. فقد كان الكفاح الذي خاضته جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني المجيد هو البوتقة التي انصرت فيها الجزائر الجديدة. جزائر مستقلة، تقدمية. تنتهج طريق الاشتراكية بكل حزم وكل هذه العناصر التي لم تمثل وحدة متكاملة لم تأت بكيفية مقحمة وإنّما جاءت نتيجة لتطور تنظيمي واحد.

إنّ الاشتراكية في الجزائر ليست اختيارا تعسفيّا ولا نظاما مستوردا ألصق بجسم أمّة خامد، وإنّما هي مسيرة حيّة تضرب بجذورها في أعماق الكفاح من أجل التحرير الوطني وترتبط ارتباطا وثيقا بالأمة الناهضة ومصيرها.

إنّ التحرير الوطني والتحرير الاجتماعي هما شيئان متلازمان في عصرنا هذا. ذلك أنّ الرفض البات للاستعمار يفضي حتما إلى رفض الرأسمالية. وعندما تدرك الجماهير أنّ كلّا من الاستعمار والرأسمالية مرتبطان أشدّ ارتباط وأنّ أحدهما ما هو إلا انعكاس للآخر عندئذ تنشأ الظروف التي تجعل الوعي الوطني يتحوّل إلى وعي اشتراكي.

وهكذا فإنّ التأميم المنهجي للأراضي والمناجم والمحروقات والتجارة الخارجية والبنوك وشركات التأمين ووسائل النقل والأملاك العقارية الشاغرة وكل الشركات الأجنبية قد وضع بين أيدي الأمة كافة المقاليد الاقتصادية. ولقد كان كلّ انتصار يتم على الاستعمار الجديد انتضارا يدعم الاستقلال الوطني وانتصارا للاشتراكية في نفس الوقت. ثم جاء تطبيق الثورة الزراعية في سنة 1972 فكان تعميقا لهذا التجاه وتثبيتا له.

مقتطفات من  « أوّلا- الجزائر شعب وأمّة » ، « رابعا-الاشتراكية تقدّم إجابة متناسقة لمشاكل العصر » و »خامسا-الاشتراكية في الجزائر مدّ مساير لحركة التحرير الوطني ».

المصدر: الميثاق الوطني، 1976

Votre commentaire

Entrez vos coordonnées ci-dessous ou cliquez sur une icône pour vous connecter:

Logo WordPress.com

Vous commentez à l’aide de votre compte WordPress.com. Déconnexion /  Changer )

Image Twitter

Vous commentez à l’aide de votre compte Twitter. Déconnexion /  Changer )

Photo Facebook

Vous commentez à l’aide de votre compte Facebook. Déconnexion /  Changer )

Connexion à %s

%d blogueurs aiment cette page :
search previous next tag category expand menu location phone mail time cart zoom edit close