يقول شعار اشهاري قديم لطومبولا أطلقتها ماركة قهوة محلية « اربح العروسة والكرّوسة! ». شعار واضح وضوح الشمس عن اعتبار المرأة (العروسة) سلعة يتم « ربحها » كما تربح السيّارة (الكرّوسة) . الخطير في هذا الشعار هو أنه يجمع « ربح » العروسة بربح سيارة كلييو 4 (سلعة تُمتلك مقابل مبلغ مالي معتبر ليس في متناول أغلبية المواطنين. الكليو 4 غالية صديقي!) وكأن عدم امتلاك سيارة قد يكون عائقا أمام تحقق الزواج. وبالفعل فإن الملاحظ في مجتمعنا هو أنّ امتلاك السيارة (ليس أي سيارة كانت، بل سيارة غالية، أي « ماركة ») قد يكون إحدى الشروط التي تسهّل قبول والدا الفتاة للعريس، إلى جانب اعتبار المكانة الاجتماعية للعريس وإمكانياته المادية والمالية (امتلاك منزل ومبلغ الشهرية التي يتقاضاها في عمله، ولا نقصد هنا أي منزل كان وأي عمل كان، بل نقصد امتلاك شقة كبيرة أو السكن في فيلا وتقاضي شهرية كبيرة وشغل منصب راق في مؤسسة). إنّ السيارة « الماركة » تمثّل، في المجتمع المعرّض للغزو العنيف لفكر المال والفرجة، أحد رموز البريستيج الاجتماعي مثلها مثل ساعة اليد والملابس « غريفا » (ماركة) والهاتف النقال سمارتفون أو الآيفون مثلا.
وعليه لا نخشى المبالغة إن قلنا أنّ الزواج أصبح للأسف في كثير من الحالات، وخاصة في المدن الكبرى، عملية بيع وشراء، عملية مسلّعة. أي نعم، وسنعمل في هذا المقال على تبيين كيف يصير الزواج شبيها بالسلعة في مجتمعنا.
كتب عمارة لخوص، في روايته « البق والقرصان« ، على لسان الشخصية الراوي حسينو ما يلي: « كل النساء سلع.منها الرخيصة. منها الغالية. الزواج بورصة. بيع وشراء. العرسان هم الزبائن. العرائس هن السلع. الخطّاب هم السماسرة. المهر هو الثمن… ». جملة تختصر واقعا مريرا يعاني منه جزء كبير من الشباب الجزائري ويجعل لهم التفكير في مشروع الزواج (خاصة بالنسبة للرجال العمال ذوي المداخيل المتوسطة أو الذين يتقاضون شهرية زوج دورو لا تغني ولا تسمن) وكأنه كابوس بسبب تكاليفه المبالغ فيها مما يأزّم حالة الكبت.
إنّ تسليع الزواج وتحويله إلى سوق ليس وليد الصدفة بل هو نتيجة غزو الفكر الرأسمالي وقيمه في مجتمعنا منذ أن قررت السلطات العليا للبلد (في عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد) في ثمانينات القرن الماضي اتخاذ سياسات « تحرير » الاقتصاد الوطني و »الانفتاح » على السوق الدولية و »إعادة هيكلة » المؤسسات العمومية الوطنية (في الحقيقة تم إمّا تصفيتها وغلقها وإمّا تعطيل سيرها الحسن). إنّ سياسات « التحرير » و »الانفتاح » تلك سجّلت التخلّي الرسمي عن بناء مجتمع تضامني أخوي وعن تحقيق جموهرية جزائرية ديمقراطية واجتماعية (ديمقراطية شعبية لا تساوي ديمقراطية الغرب أو ديمقراطية في صالح أقلية) كما ناشدت إليها المبادئ التاريخية لثورتنا التحررية الوطنية. ورافق « تحرير » الاقتصاد الوطني تغلغل قيم ليبرالية جوهرها هو تسليع كل شيء وأنّ الخدمات الجيدة لا يجب أن تكون مجانية أو في متناول الجميع، الأمر الذي أدى إلى انتشار روضات رضاعة خاصة ومدارس ابتدائية خاصة ومتوسطات خاصة وثانويات خاصة وظهور مستشفيات خاصة وهو ما لا نزال نشاهده اليوم. بالختصار تأمر السياسة الليبرالية إلى تسليع المعرفة والتعليم وتسليع التداوي. بعبارة أخرى، إنّ الراسمالية هي دين المال وتؤمن بالربح السريع والجري دوما وراء جمع الأموال.
والآن نتسائل: كيف يتم تسليع عرف الزواج؟
1-عندما يشترط والدا الفتاة المخطوبة مهرا غاليا مما يعطي الانطباع أن الخطيب سوف « يشتري » زوجته وسوف « يحصل » عليها مقابل مبلغ مالي.
2- إقامة العرس بقاعة حفلات فخمة (تكلّف للعريس بقرة وبنتها أليس كذلك) بمقتضى عقلية « شوفوني » (إبهار الناس) وما يسبق ذلك من نقل العروسة في سيارة ماركة (تم كراءها بثمن باهض أو استلافها، كيفية الحصول عليها لا تهم في هذا السياق) مزينة بالورود. يعطي لنا كل هذا الانطباع عن مشاهدة يوم ترويجي لسلعة ما (السلعة هنا هي العروسة وفرجة العرس في نفس الوقت)
يتجلى بوضوح تسليع المرأة كفرجة في الصالون الدولي للسيارات بالجزائر العاصمة، أين نرى جمعا غفيرا من الرجال الشبان يسارعون إلى زيارة المعرض مقابل دفع ثمن تذكرة الدخول (في موقف السيارات أو عند مدخل قصر المعارض) لغسل أعينهم بالسيارات الماركة وبالفتيات « الماركة »ّ (حسناوات وآيات في الجمال) الواقفات إلى جانب السيارات.
يقول عالم الإجتماع الأمريكي أندرو غريلي في هذا السياق: « يكفي أن تزور الصالون السنوي للسيارات لتدرك أنه تظاهرة دينية بطقوس عميقة. الألوان، الأضواء، الموسيقى، تبجيل العابدين وحضور كاهنات المعبد (العارضات) والأبهة والإسراف، تبذير المال والحشد المتكتل-كل ذلك قد يمثل في ثقافة أخرى عبادة شعائرية بحق (…)
إلا أن المرأة المسلّعة ليست ضحية في هذه الحالة بل هي جزء من نظام الفرجة بل وتؤمن به هي كذلك بانبهارها هي نفسها بالسيارات الماركة وبمظاهر وعلامات الثراء، تماما مثل الرجل المنبهر بالفرجة وأيقوناتها .
نهاية الجزء الأول (يتبع)
كتب المقال: محمّد وليد قرين
المراجع:
Guy Debord, La société du spectacle, Folio, Paris, 1996
Andrew Greeley, Myths, symbols and rituals in the modern world, (The Critic, december 1961/january 1962, vol. XX, n°3, p.19)
Gilles Lipovetsky, Le bonheur paradoxal, Editions Gallimard, Paris, 2006.
Rachid Tlemçani, Etat, Bazar et Globalisation, l’aventure de l’infitah en Algérie, Les Editions El Hikma, Alger, 1999.
والله النقطة الثانية ذكرتني في هاذ المقطع
» Le grand mariage bourgeois issu d’un rite de classe (la présentation et la consomption des richesses), ne peut avoir aucun rapport avec le statut économique de la petite-bourgeoisie : mais par la presse, les actualités, la littérature, il devient peu à peu la norme même, sinon vécue, du moins rêvée, du couple petit-bourgeois. »
Roland Barthes (Mythologies).
J’aimeAimé par 1 personne