أحمد عكّاش: « أصول وآفاق الاختيار الاشتراكي في الجزائر (الجزء الأول)

صورة: محمد وليد قرين

للتجربة الجزائرية أهميتها، لأنها نبتت من ممارسة ثورية « ملموسة » ففي البداية كانت متأثرة بالارادة الحازمة في التنمية. وإنّ هذه الإرادة نفسها إنما تعدّ ثمرة ظروف تاريخية خاصة.

وقد تشكّل التكوين الاجتماعي الجزائري من خلال نضالات متواصلة ضد الغزوات والفتوحات التي كانت تُحدث اضطرابات في تطورها. ولقد أدرك الشعب الجزائري- من خلال تجربة طويلة- أنّ التخلف والبؤس هما نتيجة السيطرة الأجنبية والاستغلال.

وفي 1954، عشية حرب الاستقلال، بدأ المجتمع الجزائري- في جوهره- في شكل مجتمع فلاحي، دفع به بقوة إلى أن يصبح مجتمع كادحين ومعدمين، تمّ إفقاره وسحقه من قبل سيطرة استعمارية شاملة.

وهكذا فمن بين السكان العاملين وعددهم 2.140.000، كان هناك:

400.000 من الفلاحين الفقراء.

60.000 من الخمّاسين.

110.000 من العمال الزراعيين الدائمين.

450.000 عامل يومي وعامل موسمي.

ويضاف إلى هذا العدد 480.000 من العاطلين القرويين الذين يعانون من البطالة المقنعة، وقد راعت الإحصاءات الرسمية أن تذكرهم تحت بند: المعونات العائلية، و130.000 من العاطلين في المدن وهم فلاحون فقدوا أرضهم وهاجروا إلى المدن.

أي أنّ المجموع يزيد عن ¾ السكان العاملين. أمّا التجار والحرفيون فعددهم: 105.000 وهم في معظمهم من صغار المنتجين وأصحاب الحوانيت.

المستخدمون وصغار الموظفين 30.000

الفلاحون المتوسطون 80.000

البورجوازية الريفية والحضرية 30.000 وهو الملّاك العقاريون وكبار التجار والصناع وأصحاب المهن الحرة.

وكان يوجد كذلك 26.000 من العمال الفعلة وهي قوة جديدة ولدها الاستغلال الاستعماري في المناجم والورش والموانئ (150.000 من البحارة الأجراء في فرنسا)، أي أنّ:

• 80% من الجزائريين يأتون من قطاع الزراعة.
• و7 % من الصناعة
• و13% من التجارة والخدمات

إنّ ترتيب الطبقات الاجتماعية يعكس وضع قوى الانتاج، وبالتالي فهي مازالت لم تنم إلا بالقدر القليل.

فالبورجوازية الوطنية التي تمثّل من 1 إلى 1.5 من مجموع السكان ضعيفة اقتصاديا. إذ لا تملك سوى من 7 إلى 8%  من مجموع رؤوس الأموال المستثمرة في البلاد. كما أن تركيبها غير متجانس: فإنّ الأغلبية مكونة من ملّاك عقّاريين لم ينحدروا من البنيات الاقطاعية إلّا منذ فترة وجيزة، وهناك من 3.5 إلى 4 آلاف من تجار الجملة، وبعض المئات، فقط، من المقاولين الصناعيين، خاصة في قطاع تحويل المواد الغذائية. وفي المجال السياسي فإنّ هذه البورجوازية تتسم بالخوف، فهي لم تشرع حتى الآن- اللهم إلا في بعض الأعمال الإصلاحية التي كانت تنتهي- في معظم الأحيان- بالتوافق مع المصالح الفرنسية (مثال: اتحاد المنتخبين Fédération des élus)

أمّا الطبقة العاملة فحديثة العهد، وجذورها فلاحية. وترتكز أنشطتها في القطاع الاقتصادي الأول. ولكن إليها يرجع الفضل- مع ذلك- في تنظيم أعمال جماهيرية واسعة النطاق، كالإضرابات التي قام بها عمال الزراعة وعمال المناجم، وكالمظاهرات المطلبية والسياسية: مثل رفض عمال الموانئ شحن أسلحة إلى فيتنام. وبواسطة هذه الطبقة، بدأت الأفكار الخاصة بالاشتراكية العلمية، ومختلف أنواع التنظيمات العصرية في الدخول إلى الجزائر.

ومن خلال التحالف الذي قام بين القوى المناهضة للامبريالية، وهو التحالف الذي غيّر الكفاح التحريري، وحيثما كان الفلاحون يمثلون الجيش الأساسي، كانت العناصر القادمة من الطبقات الاجتماعية الوسيطة (من صغار الفلاحين والصناع والتجار والموظفين الصغار) هي التي تقوم بدور قيادي. ذلك أن البورجوازية الصغير التي عانت من سحق الاستعمار الاستيطاني، تعد طبقة ثورية. غير أنها تفتقد إلى إيديولوجية خاصة بها، الأمر الذي يقودها إلى التذبذب بين الإيديولوجيتين الكبيرتين المتعارضتين، وإلى أن تأخذ من الإثنين- أحيانا- عناصر متناقضة. أمّا الفئات الأكثر فقرا، فهي- بالطبع- أقرب من حيث ظروف حياتها إلى الطبقات المحرومة، وإلى الكادحين. إنها الفئات الأكثر ثورية والأكثر راديكالية. ولكن الفئات العليا من البورجوازية الصغيرة أقرب إلى الرأسمالية الوطنية، كما أنها تحمل- بصفة عامة- إيديولوجية مناهضة للاشتراكية.

وكلما نمت الثورة، وحققت انتصارات أو منيت بإخفاقات، فإنّ موقف القوى الاجتماعية المتنوعة وعلاقات القوى بينها يطرأ عليها تحوير وتطوير. وفي حالة الجزائر فإنّ الظروف التي فرضها الاستعمار الفرنسي قد قضت بأن يتّسم الكفاح بالراديكالية، ودفعت بأكثر الفئات شعبية إلى تحركات جماهيرية.

كتب المقالة: أحمد عكّاش (1926-2010) كاتب، مؤرّخ ومفكر جزائري

المصدر: مجلة الطليعة، العدد السادس، يونيو 1974