المسألة مسألة عنف طبقي وخيانة

 

من يقوم بجولة في أحياء حسين داي، بلوزداد والحراش الشعبية بالجزائر العاصمة سيلاحظ عديد الفضاءات الفارغة تتبعثر فيها أطلال منازل منهارة أو مصانع مهجورة بجدران متشققة معرضة للانهيار هي كذلك، وكأن هذه المناطق تعرضت لقصف ما أو وقعت فيها حرب. وبالفعل تمثل هذه الفضاءات الخالية نتيجة حرب طبقية شرسة على الطبقة العمالية الجزائرية وعلى سكان الحي من الطبقة المتوسطة والكادحة، حرب تشنها منذ 20 سنة السلطة الحاكمة البورجوازية العميلة والطغمة المالية بقيادة الرئيس السابق المتنحى بوتفليقة.

لا نبالغ إن قلنا أن كل هذا التخريب عمدي وممنهج للذاكرة الجماعية والعمالية لبلديات حسين داي وبلوزداد والحراش الشعبية بالجزائر العاصمىة. لقد أدت أشغال تهيئة ترامواي الجزائر بشارع طرابلس بحسين داي إلى إغلاق عديد التجار الصغار والمتوسطين لمحلاتهم وحوانيتهم وبالتالي إلى قتل الحيوية الشعبية للشارع (كان فضاءا كبيرا للتنزه) وضرب القلب النابض للتجارة ببلدية حسين داي. والسلطات الرسمية برئاسة الرئيس السابق والمتنحى بوتفليقة هي من قررت وسطرت هذا التخريب الممنهج الذي ترك منازل وعمارات قديمة تسكنها الطبقة الكادحة (أبناء وبنات الحي) تنهار ثم رحّل السكان إلى مناطق نائية في ولاية الجزائر كما دمّرت السلطات الرسمية أوأغلقت مؤسسات عمومية كبيرة كالصونباك في شارع طرابلس ومؤخرا مصنع تحويل الخشب في حي شولي بحسين داي وما تلا ذلك من طرد وحشي لعمال المصنع وفقدان رجال لعملهم ولقوت يومهم. وكل هذا التخريب والتدمير الكامل لذاكرة مكان وحي عمالي يأتي في إطار السياسة النيوليبرالية التي تبناها نظام بوتفليقة منذ ترأسه البلد قبل 20 سنة والذي شجع على تكوين طبقة من الأوليغارشيين (السرّاقين أو بعبارة أخرى الأغنياء الجدد) ومن بورجوازيين كومبرادور (الحركى الجدد ككبار المستوردين وممثلي العلامات التجارية الامبريالية ككوكا كولا وبراندت ورينو وفولكسفاغن) على حطام وأنقاض المؤسسات الوطنية العمومية المغلقة. ما الغاية من إغلاق مصنع وطني عمومي في بلدية شعبية؟ الغاية هي تدمير مكان يكون فيه العامل وعيه الطبقي ويتعلم فيه آليات الصراع الطبقي من جهة، ودفن الذاكرة الصناعية والعمالية للحي من جهة أخرى. ثم ما الهدف من قرار السلطات الرسمية تدمير مؤسسات وطنية عمومية؟ الهدف هو تخريب الاقتصاد الوطني أولا وجعل أنقاض تلك المؤسسات مصدر ربح لكبار المضاربين العقاريين (مافيا العقار) أو خوصصة تلك المصانع ومنحها لكبار رجال الأعمال القريبين من السلطة الحاكمة (حداد، العلمي، طحكوت على سبيل المثال). الهدف هو بناء مكانها فنادق ومراكز تجارية كبيرة أو إقامات سكن خاصة وفخمة. ومن سيسكن تلك الإقامات هم كبار المناجارات في المؤسسات الخاصة (محلية وأجنبية) والبنوك الأجنبية، كبار رجال الأعمال المحليين، كبار التجار المحليين. أي الهدف من عملية التخريب العمراني هذه، التي تزوقها السلطات الرسمية بمصطلح “إعادة التهيئة العمرانية” أو ” أشغال تجميل الحي”، هو استبدال ممثلي الطبقة الحاكمة (الطغمة المالية والبورجوازية العميلة) بسكان الحي المنتمين إلى الطبقتين المتوسطة والكادحة. فهذه العملية تعدو بالتالي عملية استيلاء الطبقة المستغلة (بكسر الغين) على فضاءات الطبقات الشعبية المستغلة (بفتح الغين) وتترجم إرادة الطبقة الحاكمة في إقصاء عناصر الطبقة الكادحة من وسط المدينة وضواحيها وتجريدهم من حقهم في العيش بالمركز لأنها تعتبرهم « حثالة » ولأنهم يتواجدون في مقدمة حركات الاحتجاج الاجتماعي ويعارضونها بوطنيتهم الثورية فهم يهددونها مباشرة، لأن هذه الطبقة الحاكمة خادمة لأجندة أجنبية وتعمل ضد المصالح الوطنية. المسألة مسألة طبقية بامتياز ومسألة عنف طبقي. هكذا يجب أن نفهم أن الحراك الوطني الشعبي جاء كردة فعل قوية من الطبقة العاملة الجزائرية على السياسات النيوليبرالية الخائنة لمصالح البلاد، حراك مستمر لتطهير الوطن من الحركى والسراقين الكبار، من أجل حياة كريمة، مساواة ، عدالة اجتماعية، حرية وجمهورية ديمقراطية شعبية بحق.

بقلم: محمد وليد قرين

Votre commentaire

Entrez vos coordonnées ci-dessous ou cliquez sur une icône pour vous connecter:

Logo WordPress.com

Vous commentez à l’aide de votre compte WordPress.com. Déconnexion /  Changer )

Image Twitter

Vous commentez à l’aide de votre compte Twitter. Déconnexion /  Changer )

Photo Facebook

Vous commentez à l’aide de votre compte Facebook. Déconnexion /  Changer )

Connexion à %s

%d blogueurs aiment cette page :
search previous next tag category expand menu location phone mail time cart zoom edit close