”باسم الحق نُضرِب“ (الجزء 1)

FB_IMG_15815498490433701
Photo: Bilel Boudj. Bab El Oued (Cité ARMAF)

1

هشام صاحبي وأعتبره كأخ لي. يجمعنا حب المولودية ونتشارك في مجموعة من القيم والمبادئ. هشام يعمل عون أمن في إقامة فخمة، في ولاد فايت، غير بعيد عن المقر الضخم لمتعامل خليجي للهواتف النقالة ولمقر مصرف متعدد الجنسيات. الإقامة، مبنى بثمانية طوابق، شيدها عمال زواولة ينحدرون من قرى نائية في ولايات قالمة، سكيكدة، عين الدفلى وورقلة. باعوا قوة عملهم لمقاول عقاري خاص استقدمهم من منطقة عمارة، بالشراقة. المقاول ميلياردير ضخ في مشروع بناء الإقامة أمواله الفاسدة. أقول الفاسدة لأن الإنسان لا يصبح ميليارديرا بالكسب الحلال، وإنما بالإحتيال وسرقة عرق وجهد العمال، مثلما فعل المقاول الميلياردير مع « الزوافرة » كما يسمي هو العمال الذين شيدوا له بسواعدهم تلك الإقامة الفخمة التي يحرس هشام مدخلها رفقة سمير. نعم، عرق العامل هو الذي يشكّل ثروة وأرباح كل استغلالي. ابن الزنا، القذر.الكلب.

كان المقاول يأتي من حين لآخر لتفقد ورشة البناء في سيارة فولكسفاغن من نوع 4×4 يقودها « شوفور ». كان هو « السي المعلّم »، يتبادل بعض الكلمات مع رئيس ورشة البناء ثم ينصرف . العمال لا يملكون حتى سيارة ويشتغلون بلا ضمان اجتماعي يحميهم من أخطار المهنة أو من الحوادث. يربحون 1500 دينار في اليوم مقابل 9 أو 10 ساعات. يرسلون نصف شهريتهم إلى عائلاتهم، إلى زوجاتهم. وعندما أكملوا تشييد العمارة راح العمال يبيعون قوة عملهم ووقتهم لمقاول آخر وهكذا دواليك. لا يتخيلون أنه توجد ظروف عمل بديلة. يعتقدون أنّ « الدنيا عاملة هكذا »، أسياد ومسودين. ليس هذا رأينا أنا وهشام. السيد والملك هو الله سبحانه. أما كل هذا الظلم والتفاوت الطبقي الفاحش في المجتمع فهو من صنع أناس (أقلية) من الظالمين والعطّايين ومن صنع منظومة اقتصادية وسياسية مبنية على الفساد والمال الفاسد  وسرقة عرق العمال وتخدم مصالح الأقلية.

عند مدخل المبنى تم وضع اسم المقاول بأحرف ضخمة وسيقول أنه هو من شيد الإقامة. يوجد العديد من هذا النوع من الإقامات الفخمة في أولاد فايت، بشرفات عريضة، ووراءها يوجد حي عدل بعماراته الباهتة اللون وبشرفات ضيقة.

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: « ما جاع فقير إلا بما متع به غني. »

صاحبي هشام يعمل بلا ضمان اجتماعي. كل يوم تقريبا، من الصباح الباكر حتى مغرب الشمس.الغذاء يصرفه من جيبه ويذهب في صندويتش شاورما أو فريت أومليت أو قرنطيطة زائد ليمونادة (كوكا كولا أو حمود بوعلام) أو عصير صناعي « رويبة زائد فاكهة من حين إلى آخر. وبالنسبة للنقل، فهشام يصرف من جيبه تارة أو يوصله « مول خير » إلى مقر عمله أو إلى داره في بني مسوس، تارة أخرى. حكى لي هشام أنه توجد أيام تحتم عليه الأمر المشي على الأقدام من ولاد فايت إلى غاية بني مسوس، مثل تلك الليلة الباردة في نوفمبر الماضي. كانت الأمطار تهطل بغزارة. خيط من السماء. رجع صاحبي إلى الدار مبللا تماما وأصيب بزكام لمدة خمسة أيام.إلا أنه ذهب إلى العمل في اليوم التالي، رغم مرضه، لأن صاحب الإقامة لا يعترف بأمراض العمال فخاف هشام أن يفقد منصب شغله وينتهي به الأمر مطرودا.

هشام يسكن في حي 800 مسكن، ببني مسوس. لقد رحلتهم السلطات الولائية من جنان حسان، في باب الواد، هم وبعض العائلات الآخرى من جيرانهم القدامى ومنحت لهم مسكنا في حي عدل. كانوا يسكنون بيوتا واطئة. صاحبي هو الابن الأكبر في عائلته. في عمره 28 سنة. أبوه كان شغيلا في مصنع شركة عمومية لصناعة الكوابل الكهربائية، بجسر قسنطينة وشُلّت نصف ساقه في حادث عمل قبل بضعة سنوات. سرحته الإدارة وهو يتقاضى منحة 4000 دج في الشهر. يعمل الآن في سوبيرات، لأنه يرفض أن يبقى مكتوف الأيدي من جهة، ومن جهة أخرى من أجل « الخبزة »، لأنّه يشعر أن المنحة إهانة له.

قال لي صاحبي إنه كره عمله هذا لأنه غير مرتاح البال، إذ إنه معرض لإيقاف تعسفي في أي لحظة، إذا ما غاب عن العمل ولو يوما واحدا. قال لي: « ما كانش الأمان يا خو! » لأنّ العمل بلا ضمان اجتماعي يحميك يجعلك تخاف من الغد وهذا لا يسمح لك ببناء مشاريع خاصة في الحياة. أمنية صاحبي هي أن يتقاضى 35000 على الأقل وأن يتمتع بحقه في الحماية الاجتماعية لأنّ « هذه الدنيا خو! ». أحيانا يفكر هشام في الزواج ثم يطرد هذه الفكرة من رأسه. يقول لي « كيفاش نتزوج يا عدلان يا خو؟! » هو يتقاضى 20000 دينارا في الشهر.

عندي صديقة أواعدها ولكن لا أتحدث أبدا عنها إلى صاحبي ولا أسأله عن الفتيات بصفة عامة.

حدثني خويا هشام عن سكان الإقامة: رجال ونساء بملابس براقة تابعة لماركات عالمية، فرنسية  وإيطالية في غالب الأحيان. يرتدون سراويل وأقمصة وفساتين وبدلات تساوي أكثر من مرتين أو ثلاثة مرات شهرية صاحبي.  يقودون سيارات فخمة قيمتها الملايير من السنتيمات وبراقة هي كذلك. لا توجد ثياب منشورة على شرفات سكنات الإقامة. قال لي بنبرة ساخرة إن من يسكن هذا النوع من الإقامات لا ينشر ملابسه « على برّا » مثلما نفعل نحن. ضحكنا سويا. « هوما » ليسوا ولا يمكنهم أن يكونوا « حنا » »

يحكي لي هشام بنبرة  أنه يرى من حين لآخر شبان أو كهول يسكنون في الإقامة يحضرون معهم، في وضح النهار، شابات حسناوات تلبسن ثيابا فاتنة، على متن سياراتهم الفخمة. وصديقي لا يملك حتى ما يسمح له بأن يطلب يد فتاة ما. وكلانا لا يملك سيارة حتى. من أين لنا ذلك؟ « نروحو نسرقو؟ ». لا، « ما شي هكذا رباونا والدينا! »

  شهريتنا لا تكفي لشراء سيارة ولسنا سراقين أو محتالين. أملك دراجة نارية من نوع فيياماس واقتصدت لاشتراءها.

نهاية الجزء الأول

بقلم: محمد وليد قرين

Votre commentaire

Entrez vos coordonnées ci-dessous ou cliquez sur une icône pour vous connecter:

Logo WordPress.com

Vous commentez à l’aide de votre compte WordPress.com. Déconnexion /  Changer )

Image Twitter

Vous commentez à l’aide de votre compte Twitter. Déconnexion /  Changer )

Photo Facebook

Vous commentez à l’aide de votre compte Facebook. Déconnexion /  Changer )

Connexion à %s

%d blogueurs aiment cette page :
search previous next tag category expand menu location phone mail time cart zoom edit close