
نحن (أنا وصاحبي هشام) لا نريد أن نأخذ مكان هؤلاء السراقين (الأغنياء الجدد) في إقاماتهم الفخمة. البذخ والترف يثير في نفسنا التقزز. الغنى المادي لا يهمنا ولا نعبد الدراهم. هكذا تربينا. المال ليس غاية في نظرنا نحن (أنا وصديقي هشام) وإنما وسيلة. ألم يقل الرسول محمد عليه الصلاة والسلام: « تعس عبد الدينار » فالرسول عارض الترف وكنز الأموال و لم يمثل أبدا الجري وراء تكديس المال جوهر الرسالة المحمدية. ما يهمنا وما نريده هو: أن نحيا حياة كريمة، أن يكون لنا أجر محترم يسمح لنا بالعيش في أمان، بالسياحة في بلدنا على الأقل، أن لا تكون المعيشة غالية في بلادنا، أن يكون لنا مسكن، أن يحمينا الضمان الاجتماعي، أن نتداوى في مستشفيات عمومية لائقة.
يقول لي صديقي بابتسامة صفراء « إيه، ناس عايشة وناس مطايشة » ثم يضيف: « وعلاش هذه البلاد تمشي هكذا يا خو؟ » فأجيبه وأقول له إن السبب هو سرقة أقلية حاكمة لحقنا من البترول، هو التوزيع غير العادل للثروات، أقلية حاكمة تنهب وتسرق وتأكل الأخضر واليابس. شتمناهم بأمهاتهم. ثم يقول لي صاحبي: « المسؤولين هادو رشّاونا يا خو. يخلوك دايما غارق في بئر! ولاد الحرام. ما نحيناش بوتفليقة باش نبقاو عايشين كما هكذا ».
أقول: عندك الحق خو! تع الصح ولاد الحرام . ثم أضيف أن الحل في النضال الجماعي المنظم، في توحيد المطالب الاقتصادية والاجتماعية ، مطالبنا نحن أبناء الطبقات الشعبية. الحل في في ممارسة الضغط على السلطة، كما درنا في الحراك الأول. بالصح دوكا ما راناش يد واحدة خو. ويد واحدة ما تصفق!. صحيح أن أخ الرئيس السابق ووزراء سابقون، الذين خانوا الوطن ونهبوا ثروات البلد، يقبعون الآن في السجن، بفضل وقوف الجيش الوطني الشعبي إلى جانبنا، في الحراك الأول، وكان هذا مكسبا كبيرا لنا نحن أبناء الطبقات الشعبية. ولكن… يبقى أن نغير جذريا المنظومة الاقتصادية والسياسية التي تسببت في انتشار البؤس والبطالة في بلدنا. سيتطلب بلوغ التغيير الكثير من النضال لأن وحده النضال هو السبيل لاسترجاع حقوقنا وتغيير واقعنا المعاش »
2
اسمي عدلان عمراني. 30 سنة. أسكن في حومة لارماف، في باب الواد. في الطابق التاسع لعمارة تتكون من 11 طابقا. مسكننا يتكون من غرفتين بنوافذ تطل على البحر. أنا أنام في الصالون مع أخي الصغير. وأختي الصغيرة تنام وحدها. عندي أخت تكبرني بعامين، متزوجة بشخص يسير مقهى عائلي مع أخيه وأبيه، في حي نيلسون. أبي مدير مدرسة متقاعد.
أشتغل معلما في مدرسة « محمد بوضياف » في قروب تان، حي قريب من حومتي.
شاركت مع زملائي المعلمين في الإضرابات التي أطلقناها في 6 أكتوبر من العام الماضي. إضرابات من أجل الدفاع عن كرامتنا. حملنا ولا نزال نحمل مطالب مهنية واجتماعية اقتصادية. نريد أن يتم رفع أجورنا التي تقدر حاليا بـ30000 دينار. هذا شيء قليل جدا مقارنة بحجم ساعات عملنا والمجهودات التي نبذلها في القسم وخارجه. إنه لإجحاف في حقنا، نحن من نعلّم الأطفال ونوزع عليهم المعرفة. أين قيمة العلم والجهد المبذول؟ أين حقّنا من البترول؟! لقد تم تسليع المعرفة في بلدنا لأن السلطات سمحت بفتح مدارس ابتدائية وثانويات ومتوسطات خاصة وهي الآن تتكاثر كالأرانب مثلما تتكاثر العيادات الخاصة لأن الصحة سٌلعت هي أيضا. واليوم أصبح البزناسي صاحب شأن في المجتمع لأن أصحاب المال هم من يسيطرون على الحياة السياسية والاقتصادية التي تسير بها البلاد وهي بالتالي منظومة تخدم مصالحهم وحدهم، لا مصالح غالبيتنا.
لقد عملت السلطات الرسمية، طوال العشرون سنة الماضية، على تخريب قطاع التربية الوطنية والمدرسة العمومية، مثلما خربت قطاع الصحة العمومية. وإذا أردت تدمير البلد والمجتمع، فاستهدف التعليم والصحة.
لقد نصبنا تنسيقية وطنية لتمثيل مصالحنا ورفع مطالبنا لأن كل النقابات التي كانت تدعي تمثيلنا فشلت في الدفاع عن المدرسة العمومية طيلة الأعوام السابقة. وأما فرع الاتحاد العام للعمال الجزائريين، فلا نرجو منه شيئا بعدما تحالف الاتحاد مع أرباب العمل في فترة حكم سيدهم السعيد، الذي يقبع حاليا في السجن هو أيضا. فليقبع إلى ما لانهاية، فهو المسؤول النقابي الأول الذي خان مصالح العمال الجزائريين. ماذا تنتظر من نقابة اتحاد العمال تتحالف مع مستغلي وآكلي حق العمال؟!
تندرج مطالبنا ضمن التطلعات الشعبية في حراكنا الأول، الذي فجرناه قبل عام. إيه، لم نخرج أنا وهشام وأولاد حومتي وأولاد باب الواد من أجل تغيير رئيس أو حكومة فقط، وإنما خرجنا إلى الشارع وتظاهرنا وتحدينا الشرطة من أجل تغيير جذري في ظروفنا المعيشية، الإقتصادية منها والاجتماعية.
لا توجد كرامة من دون الحق في الخبز.
توجد جملة تعجبني كثيرا قرأتها في كتاب « فارس الأمل » لجورجي أمادو. تقول الجملة: « لقد كان يدرس لكي يتعلّم ويعلّم. وكان هذا الولد يعلّم رفاقه في المدرسة في كل الأيام بأنه ليس بمقدور أي إنسان أن يعيش لنفسه فقط، بينما يفتقر الناس إلى الخبز ويُحرمون من الحرية والثقافة. »
لقد صبرنا لمدة سنوات على وعود الوزارة بتسوية وضعيتنا ورفع أجورنا. كانت كلها ريح في الشبك. والآن لم نعد نرض بالترقيع أو البريكولاج!
توجد مدارس أكلت الرطوبة جدرانها وأخرى أقسامها ثلاجات حقيقية وأخرى مراحيضها غير صالحة للاستعمال لأنها متعفنة وأخرى جدران أقسامها أو سقفها متصدعة ومعرضة للانهيار على رؤوس التلاميذ والمعلمين والمعلمات. نحن المعلمون نريد من الوزارة الوصية أن تتخذ مسؤوليتها وأن يتم تحسين ظروف التدريس والتمدرس.
البرامج التربوية الحالية تثقل عقل ومحفظة التلميذ وتجعل منه ببغاء يحفظ ولا يفهم. ونحن المعلمون المضربون نريد أن يتم تخفيف برنامج التربوية الوطنية وتغيير محتوى الدروس. نريد برنامج تربويا يحرر عقل التلميذ ويجعل منه مواطنا فطنا يتمتع بحس نقدي.
سمعنا المسؤولين يتحدّثون عن التقشف. إيه، التقشف يكون دائما للزوالي ولنا نحن أبناء الطبقة المتوسطة المتوسطة. التقشف ينبغي أن يبدأ من فوق، بالمسؤولين الكبار. لسنا نحن المسؤولون عن تبديد الأموال وعن الأزمة الاقتصادية. نريد استرجاع الملايير التي نهبها منا وزراء سابقون ورجال أعمال في فترة حكم السلطة القديمة، نهب دام عشرين سنة.
أضربنا والوزارة ضربتنا بخصم في أجورنا وفي منح المردودية. ذنبنا الوحيد في نظر المسؤولين هو أننا نطالب بحقنا وأننا ندافع عن مدرسة وطنية وعمومية ذات جودة. يريدوننا أن نتنازل عن حقنا، أن نصمت، أن نعتبر أنفسنا محظوظين لأننا نعمل ونتقاضى 30000 دينارا في الشهر. يريدوننا أن نطأطأ رؤوسنا. هذا لن يحدث. المطالبة برفع أجورنا حق، وليس « مزية ».
بقلم: محمد وليد قرين