إشراق في الظلمات (الجزء الأول)

IMG_20200313_013129
photo credit: Mohamed Walid Grine, Bach Djerrah (Algiers)

1

عادة ما تجري الأمور على هذا الشكل:  أكون رفقة سعيد أو عبد الحق ونجول حسين داي، على متن دراجتي النارية أو في سيارة أحدنا ثم ندخل في أحياءها الشعبية ونرسم الوجه الرمز على جدرانها. وجه المجاهد والقائد النقابي النهديست محمّد زيوي رحمه الله. صديقي يمسك الكادر وأنا أرشه بالصبيغة، تارة سوداء وتارة أخرى حمراء . غالبا ما ننجز هذا العمل في وقت متأخر من الليل، بعيدا عن أعين الرجال الزرق بالزي الرسمي، الموسطاش ـأو الشرطة، سمهم كيفما شئت، الذين لو يروننا سيقبضون علينا لأنهم يصنفون عملنا ضمن أعمال الشغب. هكذا يقول القانون الذي صاغته السلطة، السلطة التي يخدمها الرجال الزرق. ونحن لا نعترف بقانون يخدم أصحاب المال والنفوذ السياسي والاقتصادي من جهة، ويقمع اولاد الشعب من جهة أخرى.

أول وجه لمحمد رسمناه كان على جدار طويل في حومة شولي، في نهاية أكتوبر من العام الماضي، مقابل مصنع الشركة العمومية للبناء الجاهز لحسين داي، الذي دمرته الجرافات في جانفي 2019 بأمر من السلطات والذي لم يبق منه الآن سوى أطلال، كأنه تعرض لقصف عنيف. ايه، ربما ستستورد السلطات بعد ذلك بناء جاهزا من الخارج أو ستستقدم شركة أجنبية لكي تنشأ لنا مؤسسة للبناء الجاهز.

من مصلحة السلطة النيوليبرالية الحاكمة أن تمحي كل أثر للذاكرة العمالية وللمصانع الوطنية العمومية لكي تدمر اقتصادنا الوطني وتفتي علينا أن الإيديولوجيا النيوليبرالية هي النموذج الأنجع والأمثل ولا بديل له، من جهة، وحتى تجهل الأجيال الصاعدة أننا كنا نملك نسيجا صناعيا قويا وتحسب أننا نحن الجزائريون « فنيانين » ، « لا نستطيع أن نصنع شيئا بأيدينا » ، « لم ننجز شيئا منذ 1962 » ، إلى آخره من الخرافات.

نحن نرسم وجها. نرسم رمزا. نكتب حبا. اسمه جهاد. اسمه مقاومة. اسمه عزيمة. اسمه صمود. اسمه إيمان. هو محمّد زيوي، شهيد نصر حسين داي رحمه الله.

ثم نضيف الرقم 47، سنة تأسيس نادي القلب ونكتب النصرية فوق وجه المجاهد القائد وتحته ACAB أو محمّد زيوي.

عادة ما يسألني أولاد الحومة، قبل أن نرسم الوجه الرمز على الجدران، عندما يرون يدي ماسكة الكادر ويقرأون السرور على وجهي: « شكون هذا يا خو؟ واش راك رايح ترسم؟ »
فأجيبهم: « هذا الوجه تاع محمّد زيوي الله يرحمو، مجاهد كبير وشهيد تاع الميلاحة. هذا هو الرمز الثوري تاعنا » ثم أضيف أنه رجل من بين الرجال الذين أسسوا النصر سنة  1947 وأنه كان قائدا كبيرا وشارك في ثورة التحرير الوطني وأنه استشهد ماسكا السلاح في يده.

وحينها تصبح وجوه أولاد الحومة مشرقة ومبتهجة فيقولون لي: « يعطيك الصحة يا خو. ارسمو في ڨاع الحومة يا خو. ارسمو وينما حبيت. حنا كامل ميلاحة هنا. »
ويقول آخر أحيانا: « رجال كما هادوما اللي جابولنا الاستقلال. وكاين كعب يقولوا لك حنا ما عندناش تاريخ. هاوليك التاريخ! »
حينها أشعر من جديد بنفس السعادة التي شاركتها سابقا مع الخاوة في حرارة مدرجات الملاعب، مدرجات باردة حاليا بسبب قنوط أغلبية المناصرين من نتائج الفريق السيئة في البطولة، بسبب الإدارة الفاسدة التي يسيرها رب عمل ينتمي إلى العصابة، وكل رب عمل يبني ثروته على الاحتيال والسرقة. والأولتراس لم تعد تنشط في المدرجات بالباش والرايات لأنها مقاطعة، على الرغم من أن المقاطعة في رأيي لا تخدم معنويات المناصرين ومصلحة النادي ولا هي تشكل خطرا على الإدارة الفاسدة.

نواصل أنا وصديقي دورتنا في أحياء حسين داي الشعبية والمنظر الجميل بالقبة وباش جراح ولاڨلاسيار لكي نسجل على جدرانها الوجه المجاهد. حبا للنادي. حبا للألوان. وفاء لذاكرتنا الثورية.

نهاية الجزء الأول (يتبع)

بقلم: محمد وليد قرين

Votre commentaire

Entrez vos coordonnées ci-dessous ou cliquez sur une icône pour vous connecter:

Logo WordPress.com

Vous commentez à l’aide de votre compte WordPress.com. Déconnexion /  Changer )

Image Twitter

Vous commentez à l’aide de votre compte Twitter. Déconnexion /  Changer )

Photo Facebook

Vous commentez à l’aide de votre compte Facebook. Déconnexion /  Changer )

Connexion à %s

%d blogueurs aiment cette page :
search previous next tag category expand menu location phone mail time cart zoom edit close